عاجل
كتاب وآراء

في مدينتي العتيقة بمكناس …

محسن الأكرمين.

الثلاثاء 22 نونبر 2022 – 23:21

قد نقسو كتابة عن مكناس المدينة العتيقة ومآل تدهور بنيتها التحتية في الحاضر المبعثر. قد يُدمر المدينة وبزيادة ذاك (البلوكاج) المقيت الذي يصيب العباد والأرض، لكن مكناس حتما تبقى في الوجدان علية، نحتفي بفرحتها ونتألم من تدهور ملمحها العام. في المدينة العتيقة بمكناس تحضر الإنسانية من طينة السلف الطيب، ومن عبق التاريخ يمشي ماضيها منتصب القامة ويعلو أريجا مريحا. يمشي الإنسان مرفوع الهامة بأنفة، ولا تفارقه تلك الابتسامة الطيعة باستفتاح السلام، والكلام الهادف والهادئ. بالمدينة العتيقة بمكناس يعلو الاحتفاء أولا بالإنسان قبل العمران، وتظهر بين حواريها سيرة مكة وناس.
في المدينة العتيقة تشتم روائح أطعمة من كل المنازل، وفي كل دروبها وحواريها الضيقة وأنت تتجول فقد تتلذذ (زعلوك مكناس الحار)، وتشتم رائحة السردين المقلي مرفقا بِبَقُول آت من وجه عروس، وقد تذوق الطحان وأنت عند فران الصابة العتيق. في المدينة العتيقة تبرز مجموعة من دور الضيافة (الرياض)، والتي تقتفي تقديم خدماتها في فراغاتها الباردة، وتبرز مجموعة من علامات التحديث الدخيلة في تلك الرياض بالإقحام الممل. تسمع اللكنة الفرنسية والاسبانية والانجليزية والألمانية، ولغات من كونية العالم بأناقة وإتقان، لكن يغيب السائح المستهدف من إحداث تلك الدُورِ، والتي باتت في فراغاتها تقيم ليالي عيساوة وحمادشة للتنشيط ومحاربة الرطوبة.
في المدينة العتيقة قد تتناول وجبة شواء من (كفتة الجمل)، أوقد تتناول (زلافة) من (بيصارة) باب الجديد الشهيرة، وتختمها ببراد شاي (منعنع) قبالة السرداب الحديدي (الجديد) لباب الجديد. في المدينة العتيقة بمكناس، تقف عند شواهد دور مهجورة تَخَاصم عليها الورثة وتركوها للإهمال والسقطة النهائية المدوية. في المدينة العتيقة خُمُول وبرودة في التداول التجاري والتوريث المهني. وتظهرعلامات من يأس ترتيب المدينة العتيقة بامتياز التقديم ، وإعادة الحياة إليها بالتوظيف. في المدينة العتيقة تتنوع الحرف والمهن لكنها تبقى تُعاني الإهمال والكساد وغياب الدعم والتأطير في مجال المشاركات في معارض الاقتصاد التضامني. في المدينة العتيقة تلحظ ذاك المعمار العريق، والذي شوهته أيدي (تخرميز) و(الياجور) و(السيمة)،فبات يشابه لون الغراب لا الحمامة الرقطاء. تجد أن التثمين وتأهيل المدينة العتيقة يسارع الزمن والمكان، لكنه يبقى مرتهنا في سؤال: أين تم الوصول في الأوراش الكبيرة المفتوحة والمغلوقة؟ ما تستفيد المدينة من تثمين العمران في غياب تعزيز ثقافة الإنسان الرمزية؟ !!
في المدينة العتيقة بمكناس قد لا نسمي الأشياء بمسمياتها، فقد بات تجديد المعالم التاريخية تثمينا وتأهيلا وترميما، وبات الجمع تصغيرا. في المدينة العتيقة يمكن أن نسحب (قرمودا) من قرون التاريخ الماضي، ونعوضه ب (قرمود )حديث الصنع وبآلة مستوردة من الصين الشعبية !! في المدينة العتيقة بمكناس، قد نغفل تلك القطع الخشبية (المسوسة) و(القرمود) المسحوب والدعائم الرخامية، ولم نقدر التفكير في إنشاء فضاء تاريخي لكل المسحوبات، وصناعة بنك معلومات بالإحصاء يوثق لكل قطعة بالترتيب والترقيم التاريخي.

زر الذهاب إلى الأعلى