صدى المغرب-من الرباط
الجمعة05ماي2023-20:34
درس علم النفس في كلية ظهر المهراز بفاس وتقلد عدة مناصب مهمة كإطار بوزارة الطاقة والمعادن، قبل أن يغير الوجهة صوب التعليم الجامعي، اختار التدريس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق بالدار البيضاء، بعد أن اجتاز بنجاح مباراة أساتذة التعليم العالي التحق بالكلية سنة 2011 كأستاذ مكلف بتدريس بعض المواد الثانوية في تخصصات أخرى، لكن العين كانت تركز على الهدف الوحيد والأسمى، بينما القلب ظل مسكونا بحب علم النفس،إنه الدكتور عبد القادر أزداد ابن المغرب العميق والرجل العصامي الذي لن تتوفق مهما حاولت جاهدا أن تكون موضوعيا في الفصل بين أخلاقه العالية ومستواه العلمي والمعرفي الكبير، أحب الدار البيضاء كثيرا، اهتم بها ومنحها أجمل وأغلى هدية، ألا وهي تأسيس شعبة علم النفس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق، فبادلته الحب أيضا بحب أوفى وأكبرمسجلة اسمه في ذاكرتها التي لا ولن تموت، حيث سيذكر التاريخ أن أول من أسس شعبة علم النفس بالدار البيضاء هو الدكتور والأكاديمي المثقف عبد القادر أزداد.
فمن يكون الرجل؟ ومن أين أتى وما هو مساره الأكاديمي؟ وكيف تمكن من تأسيس شعبة علم النفس بأكبر مدينة بالمملكة؟ وما هي أهم مشاريعه المستقبلية على المستوى الشخصي كباحث وأكاديمي، ثم على المستوى المهني كرئيس لشعبة علم النفس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق بالدار البيضاء؟
هذه أهم الركائز التي اعتمدنا عليها لانجاز حوار صحفي ممتع وشيق مع الدكتور عبد القادر أزداد للتعرف عليه أكثر والوقوف عند التجربة الفريدة من نوعها ألا وهي تأسيس شعبة علم النفس وإتاحة الفرصة لتدريس هذا التخصص المهم بالدار البيضاء.
بصفتكم رئيسا ومؤسسا لشعبة علم النفس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق الدار البيضاء من هو الدكتور عبد القادر أزداد كأول باحث ومتخصص في المجال استطاع أن يتيح لمحبي علم النفس إمكانية دراسته بالدار البيضاء من خلال تأسيس الشعبة والوقوف على تسييرها ؟
عبد القادر أزداد من مواليد نواحي مدينة تاهلة و بالضبط بمنطقة باب سوق الشجرة بإقليم تازة أنا ابن المدرسة العمومية بامتياز وأفتخر بذلك حيث درست المرحلة الابتدائية بالمدرسة الموجودة بمنطقة ”باب سوق الشجرة”المنتمية إلى إحدى المناطق النائية بالمغرب العميق، التي حصلت فيها على الشهادة الابتدائية، بعد حصولي على شهادة الباكلوريا سنة 1991 بثانوية تاهلة، التحقت بالدراسة الجامعية بكلية الآداب ظهر المهراز بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس تخصص ”الفلسفة” كجدع مشترك إذ بعد دراسة السنة الأولى كان علي الاختيار بين ثلاث تخصصات : الفلسفة العامة، علم الاجتماع وعلم النفس فاخترت السير على درب علم النفس لكي أتخصص في دراسته مما خول لي الحصول على شهادة الإجازة سنة 1997.
بعدها تسجلت مباشرة بالدراسات العليا إعدادا لدبلوم الدراسات العليا المعمقة في علم النفس المعرفي ”وحدة البحث والتكوين: المعرفية النمو والتعلم”، حيث نلت دبلوم الدراسات العليا المعمقة في علم النفس المعرفي أواخر سنة 1999، وبعد ذلك تسجلت بسلك الدكتوراه حيث التحقت في الآن نفسه بالإدارة العمومية في ماي2003، بوزارة الطاقة والمعادن كمتصرف بالمديرية الجهوية لوزارة الطاقة والمعادن”بتازة الحسيمة تاونات” حيث شغلت عدة مهام أذكر منها مفتش للشغل بالقطاع المعدني وأيضا مكلف بالميزانية، بعد ذلك تمكنت من الحصول على شهادة الدكتوراه سنة 2008، من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس تحت إشراف أستاذي الكبير والفاضل الدكتور”الغالي أحرشاو” أطال الله في عمره، وقد نلت شهادة الدكتوراه بميزة مشرف جدا مع التنويه والتوصية بالطبع، في سنة 2009 انتقلت بطلب مني إلى الإدارة المركزية لوزارة الطاقة والمعادن بالعاصمة ”الرباط” حيث تم تكليفي مرة أخرى للقيام بعدة مهام منها مكلف بتدبير ملفات المتصرفين بوزارة الطاقة والمعادن، ثم تدبير المكتب المكلف بالامتحانات المهنية واشتغلت أيضا متعاون مع عدة أقسام :كالتعاون و المنازعات والموارد البشرية،حيث شغلت عدة مهام رئيسية من شتنبر 2009 إلى غاية مارس 2011، وأيضا قبل ذلك وبالضبط سنة 2010 أجريت عدة تدريبات بمعهد الإدارة العامة بالعاصمة السعودية ”الرياض”، حيث حصلت فيه على عدة دبلومات بعد تجارب ميدانية متنوعة متعلقة بالأساس بتدبير المسار الإداري والوظيفي و التفاوض الفعال بالإدارات العمومية، وبرامج تقويم الأداء الوظيفي للموظفين العموميين، وبعد هذه التجربة الغنية بالمعارف واكتساب آليات الاشتغال الإداري والمفيدة جدا في مساري المهني، تقدمت لاجتياز مباراة أساتذة التعليم العالي المساعدين بكل من كليتي الآداب والعلوم الإنسانية بمدينتي المحمدية والدار البيضاء ومن الصدف حدث أن نجحت فيهما معا وفضلت الالتحاق بكلية الآداب عين الشق بالدار البيضاء، ولعل اختياري الالتحاق بكلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق بالدار البيضاء كان مرده إلى صوت داخلي وحدس خاص وجبت الاستجابة لهما إيمانا مني بأن هذا الاختيار سيكون بمثابة الخطوة الأولى والانطلاقة الفعلية لتحقيق العديد من الانجازات المهنية على المستوى الشخصي والمسار الأكاديمي كأستاذ للتعليم الجامعي، وكذلك بالنسبة للكلية التي اخترت عن قناعة التدريس بها والتي لم يكن يدرس بها تخصص علم النفس، لذلك قمت في بداية الأمر ومباشرة بعد التحاقي بالكلية في ماي2011، بتدريس بعض المواد الثانوية في تخصصات أخرى من بينها شعبة اللغة العربية وطلبة الدكتوراه في الادب الشعبي، حيث كنت أدرس مادة الفلسفة كعنوان للوحدة لكنني في حقيقة الأمر كنت مصرا في المحتوى على تدريس علم النفس الذي هو تخصصي وذلك بالاتفاق مع الأساتذة المسؤولين عن الوحدات، كما أعتبرأن سنة 2013 كمحطة أساسية بالنسبة لبداية ظهور بوادر التأسيس لشعبة علم النفس بالنسبة للكلية التي كانت تفتقده، وذلك من خلال مشاركتي في أول ندوة نظمت بهذه الكلية بمداخلة تحت عنوان سيرورة اكتساب اللغة ”علم النفس المعرفي وإشكالية الاكتساب ” والتي نالت إعجاب واستحسان الحاضرين بشكل كبير حيث اعتبرتها بمثابة تشجيع أولي لي للسير قدما نحو تحقيق حلم التأسيس لشعبة علم النفس بكلية تفتقد إليها وبمدينة بحجم الدار البيضاء هي في أمس الحاجة إليها، وبعد تأسيس شعبة علم الاجتماع بالكلية تم تكليفي بتدريس مجموعة من المواد وبالرغم من أن المهمة التي أقوم بها هي مهمة شريفة ومشرفة والتي تتجلى في مزاولتي للتدريس الجامعي غير أنني لم أكن راضيا ولا مطمئنا بشكل كلي، حيث كنت دائما أطمح إلى تأسيس تخصصي الذي هو ”علم النفس” بهذه الكلية إذ أن السؤال الجوهري الذي ظل يطرح دائما في ذهني منذ التحاقي بهذه الكليةهو: لما لا يدرس تخصص علم النفس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق بالدار البيضاء رغم أنها تأسست منذ سنة 1981 ؟ ومما زاد من تعلقي بتأسيس شعبة علم النفس بالكلية هو أنني لمست رغبة كبيرة للطلبة في دراسته واستعدادا منقطع النظير لتحصيل المعرفة والتكوين في علم النفس بحب وشغف كبيرين.
بناء على ما صرحتم به يتضح جليا بأن رغبتكم بالأساس ومنذ البداية كانت هي تأسيس شعبة علم النفس بالدار البيضاء أكثر من رغبتكم في التدريس بالكلية ؟
في الحقيقة التدريس بالجامعة هي مهنة أحبها وأعشقها وأتمنى أن أقدم الكثير والمزيد للتدريس الجامعي، لأنني أعشق المدرج وأحب طلبتي فالتدريس الجامعي يفسح أمامي المجال كمثقف لاقتحام الإشكالات المختلفة كما يمنحني هامشا أكبر من الحرية لأتحدث عن كل القضايا التي تهم الإنسان المعاصر فعلم النفس هو أقرب علم للإنسان، بالإضافة إلى أن تخصصي الذي هو علم النفس المعرفي الذي يعد من بين المدارس السيكولوجية الحديثة التي تقدم رؤية علمية واضحة لكل القضايا الإنسانية المعاصرة، أما فيما يتعلق بالرغبة في التأسيس فلا يمكن إنكار وجودها منذ التحاقي بالكلية للتدريس، لكن يمكن القول إنه كان هنالك نوع من الازدواجية والتي تتمثل في تطوير إمكانياتي ووضعها رهن إشارة طلبتي، حتى تستفيد منها الجامعة المغربية التي هي في حاجة للكفاءات وأيضا حتى يعود النفع على مجتمعي لعلي أوفق في خدمته كمثقف وأكاديمي راكم تجربة مهمة في مجال علم النفس، لذلك عملت جاهدا رفقة مجموعة من الإخوة الزملاء والعميد السابق للكلية، على تأسيس شعبة علم النفس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق بالدار البيضاء، فمدينة بحجمها وإمكانياتها وعطاءاتها الكثيرة والكبيرة على جميع الأصعدة والمستويات الاقتصادية بالأساس والثقافية والاجتماعية وجب الاهتمام بها ورد الجميل لها من خلال تأسيس شعبة علم النفس وتدريسها كي يستفيد منه أبناؤها وكل أبناء المغرب اللذين يختارونها كوجهة للدراسة الجامعية. وكمواطن من المغرب العميق أعتبر مدينة الدار البيضاء بمثابة مغرب مصغر وأيضا أرى فيها مختبرا كبيرا يعج بالظواهر القابلة للدراسة من خلال المشاكل والإشكاليات الموجودة فيه لذلك فالدار البيضاء هي في حاجة إلى تدريس علم النفس بكلياتها ومؤسساتها، ولعل هذا ما دفعني إلى التشبث برغبتي القوية في المساهمة في تأسيس هذ التخصص النوعي بكلية عين الشق بالدار البيضاء.
اعتبرتم دكتور أزداد أن الدار البيضاء تستحق أن يكون بها تخصص علم النفس لمكانتها الكبيرة في المغرب ولأفضالها العديدة على المجتمع المغربي وعملتم جاهدين لأجل ذلك فكيف كانت التجربة منذ البداية ؟
بالإضافة إلى أن الدار البيضاء هي القلب النابض للمغرب اقتصاديا وسياسيا وثقافيا و اجتماعيا ورياضيا وتاريخيا، هي مدينة تحس فيها بالانتماء حيث اجتمع فيها ما تفرق في غيرها من المدن المغربية، فكيف لا يدرس علم النفس في كلياتها؟
أما بالنسبة لتأسيس شعبة علم النفس فكما سبق أن ذكرت فعند التحاقي بالكلية سنة 2011 كنت أستاذا مساعدا أدرس مع الشعب الأخرى مادة علم النفس، بعد أن حصلت على التأهيل الجامعي في تخصص علم النفس بهذه الكلية سنة 2015، قمنا تحت إشراف عميد الكلية الأستاذ ”موراد موهوب” بإنجاز الملف الوصفي وطلب الاعتماد، وتم فتح مسلك لعلم النفس بتاريخ 22 نونبر 2016، وهو التاريخ الذي سيبقى راسخا بذاكرتي ما حييت وأيضا بذاكرة الكلية إلى الأبد، و قد كان تأسيس علم النفس تحديا كبيرا بالنسبة لي، إذ ليس من السهل التمكن من ذلك في مدينة عملاقة بحجم مدينة الدار البيضاء وسط توافد أعداد هائلة من الطلبة، و أود هنا أن أحيي الزميلين الفاضلين الأستاذة ليلى الشرقاوي والأستاذ أحمد الرياضي على تضحياتهما الجسام وما يتميزان به من نكران للذات حيث كان لهما دور أساسي في ترسيخ دعائم هذا التخصص وبناء صرحه رفقة زميل فاضل الذي هو الأستاذ عبد اللطيف فتح الدين الفيلسوف الرائع حيث عملنا جميعا على رفع التحدي مع هؤلاء الزملاء الذين أسسوا لهذا المسار وواكبوا تدريس الطلبة وتكوينهم ، ورغم الصعوبات والتحديات الكبيرة تمكنا بفضل العزيمة والإرادة والرغبة الكبيرة في النجاح، من التغلب عليها وخاصة بعد التحاق زملاء أخرين فيما بعد، ودليل ذلك هو أننا احتفلنا في السنة الماضية بتخرج الفوج الرابع 2021-2022، بينما تخرج الفوج الأول سنة 2018-2019، وقد ناهز عدد الخريجين منذ تأسيس المسلك إلى الان حوالي من 1020 خريج خلال الأربع سنوات الماضية، ورغم أن أزمة كورنا عرقلت شيئا ما المسار الذي كنا نسلكه غير أنها اعتبرت عائقا كونيا استلهمنا منه جملة من العبر والدروس، و لم تقف كحاجز في طريقنا نحو النجاح إيمانا منا بأن الأزمات تخلق دوما تحديات لتخطي الصعاب وبلوغ المراد والهدف المنشود، واليوم نمتلك طموحا كبيرا في إحداث تكوينين في الماستر( ماستر متخصص في طور الاعتماد وماستر أساسي لاحقا) و هناك فريق للبحث في علم النفس ينتمي إلى أحد المختبرات بالمؤسسة عنوانه ”علم النفس والإنسان الثقافة والمجتمع”، يشرف على عدة أطروحات للدكتوراه في نفس التخصص، وتجدر الإشارة إلي أنه ومنذ 28 يوليوز 2022 تحول مسلك علم النفس إلى شعبة حيث تم انتخابي بالإجماع من طرف الزملاء كرئيس للشعبة وهذا شرف كبير لي وتكليف آخر آمل من خلاله تحقيق طموح الطلبة في مختلف مستويات التكوين التي ستعود بالنفع على الكلية و الجامعة و على مدينة الدار البيضاء والجهة والمجتمع بصفة عامة.
ماهي التحديات التي واجهتموها في تأسيس علم النفس كمسلك قبل نجاح التجربة ليتحول إلى شعبة قائمة بذاتها ؟
في الحقيقة وكما يقول ديكارت أن ”كل ماهو عظيم يولد عظيما ”، فولادة علم النفس بالدار البيضاء لم تكن سهلة فأن تتحمل مسؤولية مسلك وأن تستقبل أعدادا غفيرة من الطلبة من كل حدب وصوب ومن مختلف مناطق المغرب وأيضا من مختلف الفئات العمرية والطبقات الاجتماعية، فذلك ليس بالأمر الهين، فلولا تضحيات الأساتذة الأجلاء في مقدمتهم الأستاذة ليلى الشرقاوي والأستاذ أحمد الرياضي وأيضا الأستاذ الفيلسوف الأستاذ عبد اللطيف فتح الدين أستاذ مادة الفلسفة ورئيس شعبتها بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بن امسيك الذي بادر إلى حمل المشعل معنا منذ البداية ولازال إلى اليوم يقدم الكثير ولا تفوتني الفرصة لأتقدم إليه بالشكر الجزيل على كل ما يبذله من مجهودات كبيرة في سبيل إنجاح هذه التجربة وهي مناسبة للتعبير له أيضا عن مودتي واحترامي الكبيرين، وأعتقد جازما أن علم النفس بمدينة الدار البيضاء قد وضع على السكة الصحيحة بفضل صدق ومهنية هؤلاء الأساتذة الأكفاء.
كيف نجحتم دكتور أزداد في الارتقاء بعلم النفس بالدار البيضاء من مسلك إلى شعبة ؟
لكي يتحول التخصص من مسلك إلى شعبة وجب استيفاء العديد من الشروط من بينها عدد الأساتذة ثم الحاجة إلى التخصص، وقد عملت جاهدا لأجل ذلك بالجد والاشتغال، حقيقة لم يكن الأمر سهلا فقد دافعت عن تخصص علم النفس في مجلس المؤسسة ، و تفاعلت لجنة الشؤون البيداغوجية إيجابيا مع مشروع خلق شعبة بهذه الكلية وكان أن وضعت الطلب للسيد العميد الذي أحاله بدوره على لجنة الشؤون البيداغوجية التي وافقت عليه بالإجماع فأحالته على مجلس الجامعة ثم على لجنة الشؤون الأكاديمية، فتمت المصادقة على الطلب بعد نقاشات كبيرة وجهود جبارة كللت بالنجاح ودعم من طرف كثير من الزملاء داخل مجلس الجامعة وكذلك السيدة الرئيسة السابقة للجامعة الوزيرة الحالية المسؤولة عن قطاع التضامن والادماج الاجتماعي والاسرة الأستاذة عواطف حيار.
بعد مجهودات كبيرة تمكنتم من جعل تخصص علم النفس شعبة مستقلة لها أفاقها ماهي ”الماسترات” المفتوحة في وجه الطلبة الحاصلين على الإجازة في علم النفس ؟
قدمنا تضحيات جسام واشتغلنا أكثر من الغلاف الزمني المحدد، بذلنا مجهودات كبيرة في سبيل إنجاح هذه التجربة غير أن حب الوطن والرغبة في خدمته حالا دون الشعور بأي نوع من الكلل أو الملل، إذ لم يهنأ لنا بال ولم نتذوق طعم الفرحة إلا بعد أن رأينا طلبتنا بعد تخرجهم، يشغلون مناصب مهمة في المجال سواء في القطاعين العام أو الخاص، ومن هنا تولدت لدينا رغبة أخرى كبيرة وجديدة في العمل والعطاء أكثر لهذا سنعمل على فتح ”ماستر متخصص” قريبا هو في طور الاعتماد، و ماستر أخر أساسي، إضافة إلى عدد من التكوينات المهنية بشراكة مع عدد من الجهات والمؤسسات المعنية وذلك حفاظا على جودة التكوين وضمانا لاستمراريتها وأيضا بهدف ربط التكوين بمتطلبات سوق الشغل، والانفتاح على تخصصات أخرى سواء في العلوم الإنسانية أو الحقة والتكنولوجيات الحديثة، وذلك رغبة منا في تطوير مردودية الجامعة وجعلها قادرة على التنافسية و تكوين الطلبة المواطنين، فما نقدمه من تكوين في علم النفس يضاهي تكوينات أكبر الجامعات الدولية رغم قلة الإمكانيات المادية والموارد البشرية، غير أني أرى أنه يجب علينا جميعا تحدي الصعاب وتحويل كل الإكراهات القائمة إلى سبل لبلوغ النجاح المنشود لذلك أجد نفسي دائما متفائلا بخصوص مستقبل شعبة علم النفس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق بالدار البيضاء وبالمغرب ككل بالنظر إلى أهميته في حياتنا اليومية وبالحاجة الماسة إليه في كل المجالات وحيثما يتواجد الإنسان.
كيف تتمكنون دكتور أزداد من التوفيق بين مهامكم كرئيس لشعبة علم النفس وكأستاذ تدرس الفصلين الخامس والسادس في نفس الوقت؟ وأين تجد نفسك أكثر؟
أنا اعشق المدرج وأحب طلبتي وأجد متعة كبيرة في القيام بمهام التدريس الجامعي، حيث أشتغل بنهم وبشغف كبيرين ومستعد لأن أعطي أكثر في سبيل طلبتي ولأجل وطني، فأنا أؤمن بأن أهم شئ في العمل هو أن تحب عملك حتى تتمكن من تقديم كل ما لديك، وهناك مقولة في علم النفس تقول”بأن الذي يعرف أكثر يصبح أكثر معرفة وبأن الذي يعرف أقل يصبح أقل معرفة”، وأنا أقول بأن من يحب مهنته أكثر يمنحها كل شيء، والذي يحبها أقل يعطيها أقل وقد لا يمنحها أي شيء، لذلك أحاول جاهدا التوفيق قدر الإمكان بين مهامي كرئيس لشعبة علم النفس وكأستاذ جامعي يحمل رسالة وجب تبليغها بصدق وأمانة وبوطنية أكبر.
أعطيتم للدار البيضاء الكثير بتأسيسكم لشعبة علم النفس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق، فماذا منحتكم الدار البيضاء في المقابل ؟
بصراحة أنا لا أحب أن أتكلم عن ذاتي كثيرا بمفهومها النرجسي، لذلك فأنا أعتبر أن ما قمت به وما أقوم به حاليا يتم بتعاون مع مجموعة من الزملاء و أتقاضى عليه أجرا، فالذي يتقاضى أجرا عن عمل يقوم به يجب أن “يحلله” كما يقول المغاربة، لذلك لدي قناعة راسخة أن ما أقوم به هو واجب تجاه الوطن، فـأنا ابن المدرسة العمومية درست بدون مقابل، ولا أنتظر مقابلا من وطني الذي أحبه، وما قمت به في الدار البيضاء كان من الممكن أن أقوم به في أي مدينة أخرى و أن يقوم به أي زميل أو زميلة، في وجدة أو الداخلة أو طنجة، فالمغرب واحد بالنسبة لي والوطن كل لايتجزأ وخدمته واجب لا ابتغي منه أي مقابل، يكفيني فخرا أن أرى طلبتي يحققون النجاح ، وبعيدا عن المقابل المادي الذي لا أعيره اهتماما كبيرا، يمكن أن أقول إن الدار البيضاء منحتني السعادة التي أقتبسها من عيون الطلبة ومن المودة الصادقة التي تجمعني بالزملاء الكرام داخل رحاب الكلية الفسيح، ومنحتني أيضا الدار البيضاء الحب وهو ما أحتاجه ويحتاجه كل إنسان في هذه الحياة.
عبد القادر أزداد كانسان يبدو صادقا ورقيقا ومرهف الحس حدثنا عن هذا الجانب فيك بعيدا عن الكاريزما التي تمتلكها كأستاذ جامعي؟
أنا كانسان أنتمي لهذا الزمن وهذا الوطن الحبيب أرى أن صفتي ”الصدق والإخلاص” هما سر نجاح العلاقات الإنسانية والمهنية، فعندما يكون الإنسان صادقا فهو يتكلم بعقله ووجدانه في نفس الآن، فإذا قام كل إنسان فينا بمسؤوليته اعتمادا على الصدق وأدى عمله بإخلاص، فأنا على يقين تام بأن علاقاتنا الإنسانية ستكون ناجحة وسليمة كما أننا سنحقق كشعب تقدما كبيرا في جميع مناحي الحياة يضاهي الشعوب المتقدمة، أما على المستوى الشخصي والإنساني أنا أعتبر أنه من الضروري أن تكون للإنسان قضية يعيش من أجلها، وشخصيا أعتبر نفسي حاملا لقضايا متعددة من بينها قضية علم النفس التي سأدافع عنها حاضرا ومستقبلا، لذلك فاعتقادي راسخ بأن الانسان إذا تحمل المسؤولية وأنجز مهامه كما ينبغي بصدق والتزام فسيكون قد حقق هدفين سامين هما السعادة الداخلية أولا والمساهمة في تنمية الوطن ثانيا وهذا شعور نطمح إليه جميعا.
أما فيما يخص سؤالكم حول شخصيتي كوني مرهف الحس فذلك راجع بالأساس إلى تكويني وظروف نشأتي، فأنا ابن المغرب العميق أنتمي لوسط أسري متواضع أصله من البادية، لذلك كان علي لزاما أن أنجح حتى أرد الاعتبار لوسطي، ليس ذلك فحسب بل اعتبرت الأمر بمثابة تحدي ذاتي، وقد عانينا في طفولتنا عندما كنا تلاميذ من سوء أحوال الطقس، ومن ظروف التمدرس الصعبة للغاية، كما لا يمكنني أن أنسى انتقالي للمرحلة الإعدادية حيث كنا نعيش في كنف عائلات و أسر أخرى كانت تحتوينا وتحتضننا، مما تسبب لنا في معاناة كبيرة من الناحية الوجدانية وهو نوع من الانشطار العاطفي، لكنها كانت تجربة مهمة في حياتي ساهمت في بناء وتكوين شخصيتي والاعتماد على النفس، فصحيح أني إنسان لدي وجدان ومشاعر لكن عندما تكون إزاء مهمة ومسؤولية فلا مجال للعواطف، وأنا كانت لدي مهمة تتجلى في التحصيل العلمي والدراسي وقد أتممتها بنجاح، وأكيد أن الانسان ابن بيئته وأنا ابن بيئتي تأثرت بها وساهمت في تكوين شخصيتي، ولا أخفيك سرا أن طفولتي ومحيطي هما من جعلا مني إنسان ذو حس مرهف وفي نفس الوقت أشعر بالفخر والقوة والثقة بالنفس نتيجة تغلبي على تحديات كبيرة واجهتني، ولازالت خلال مسارات مختلفة من حياتي، أما الكاريزما التي تحدثت عنها فمن الجلي أني اكتسبتها بفضل العلم والمعرفة والانخراط و الالتزام الصارم في إنجاز مهامي ومن خلال مساري الأكاديمي و الاستنجاد بسيكولوجية حل المشكلات، التي أفادتني كثيرا علميا ومهنيا وشخصيا.
ماهي المثل والقيم الإنسانية العليا التي يدافع عنها الدكتور أزداد ويهدف إلى رؤيتها مجسدة في واقعنا المجتمعي ؟
أنا احلم كثيرا، وأحلامي هي في حد ذاتها مثل عليا، أنا أحلم أن استيقظ يوما على خبر إعلان المغرب عن نهاية الأمية بكل أنواعها، وعن نهاية الفقر بمفاهيمه الفكرية والاقتصادية والقيمية، أحلم أيضا بتكافئ الفرص وبتعليم جيد للجميع وفي جميع الاسلاك ، وأحلم بطريق سيار أرضي ومعرفي بكل مناطق المغرب ، أحلم أيضا بإعطاء الفرصة للجميع، أتمنى أن تتحقق العدالة المجالية والاقتصادية وأن نعيش في مغرب تسود فيه الرفاهية وروح التضامن والتعايش والقيم المغربية النبيلة التي أسس لها أجدادنا الذين حاربوا الاستعمار في الحواضر و القرى و الجبال من أجل أن يحيى الوطن.
الحياة بالنسبة لي جميلة يجب فقط أن نعرف كيف نحياها، ويبقى الأمل في غد أفضل وفي مغرب جميل ومجتمع راق يعيش بالقيم والأخلاق التي هي الرأسمال الحقيقي للشعوب وللإنسانية جمعاء، أما الحب فلا يمكن أن نعيش بدونه ولولاه لما كان للحياة وجود أو معنى.
ماهي الانتاجات العلمية للدكتور أزداد كمثقف ومتخصص في علم النفس يساهم في اغناء الحقل المعرفي والأكاديمي بالمغرب ؟
بالنسبة للإنتاج العلمي لدي مجموعة من الإصدارات الفردية والمشتركة، وأيضا مجموعة من المشاركات في العديد من المؤتمرات العلمية والدولية، ولدي مشروع علمي، إذ كنت بمعية الزملاء قد ترأست مشروع أشرف عليه المركز الوطني للبحث العلمي وجامعة الحسن الثاني حول التداعيات النفسية لجائحة كورونا وهو بحث مول من طرف الجامعة والمركز الوطني للبحث العلمي، لدي كذلك كتب فردية وجماعية في التخصص فضلا عن مجموعة من المساهمات الفكرية والعلمية داخل المغرب وخارجه، أما فيما يخص مشروعي العلمي فهو يندرج ضمن تقديم المزيد من الانتاجات المرتبطة بعلم النفس المعرفي بصورة خاصة وعلم النفس في علاقته بالعلوم الاخرى بهدف تقريب هذا التخصص من المجتمع والمؤسسات من خلال انجاز وإصدار العديد من المؤلفات في المستقبل القريب صدر منها لحد الآن ”علم النفس المعرفي وإشكالية اكتساب اللغة”، ثم هناك مشاريع ”موضوعاتية” تهم مجموعة من القضايا والاشكاليات داخل المجتمع كالتعليم والصحة النفسية والعقلية ومجالات علم النفس التدخلي لأنني أؤمن بأن علم النفس عليه أن يقتحم مجالات وقضايا وظواهر جديدة وينفتح إبستمولوجيا على العلوم الأخرى سواء الإنسانية أو ” الحقة” حتى يستطيع أن يقدم إجابات علمية ليساعد في التنمية الشاملة للإنسان، وهي مواضيع للبحث سنتناولها في المستقبل القريب مع الزملاء على مستوى الشعبة ومختبر البحث بالانفتاح على محيط الجامعة عبر شراكات مع المؤسسات العمومية والخاصة الوطنية منها والدولية.
بطاقة تعريفية
مهنية
رئيس شعبة علم النفس، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء
عضو منتخب بمجلس جامعة الحسن الثاني 2020-2022
مدير مختبر” علامات، أركيولوجيا علم النفس والتاريخ: مقاربات مقارنة”
رئيس فريق البحث ”علم النفس، الإنسان، الثقافة والمجتمع”
مدير مشروع البحث حول التداعيات النفسية لجائحة ”كورونا”
عضو البرلمان الثقافي الدولي الذي يوجد مقره بأسونسيون عاصمة البراكواي
– رئيس وعضو العديد من اللجان العلمية المتخصصة بالمؤسسات الجامعية المغربية
وله العديد من المؤلفات والمنشورات العلمية فردية وجماعية
شارك في العديد من المؤتمرات واللقاءات العلمية وطنية ودولية
حاوره : مكرم مفيد