محسن الاكرمين – فصل من رواية (عندما يعود الرجال).
السبت 10 غشت 2024 – 23:23
جسد امرأة عارية مُجسدة على شاشة مرآة منكسرة الحافات. تبدو الصورة تُمَاثِلُ رُسومات سيدتنا حواء في مدونات كتاب الحياة. امرأة تقف بلا حركة فيزيائية طبيعية، وتشد على الشفاه المطبقات بلا أنين، وتُمارس تعري اللحظة عن الجسد المنهك بهمِّ ألم الحياة. فيما العينين فلا يُسدل طرفهما العلوي إطباقا إلا لماما. شبح المرأة الحزينة على المرآة يوازيه الإهمال العمري في نهاية فلم (ضاع العمر يا ولدي).
ورغم، فقد كانت الموأة تُخفي سرَّ الجمال والحسن آت من الشباب الغُفلِ. تتحرك الصورة من المرآة بُعْدا وتقدما، وبميزان استدارة التعب والوجع. تخطو هروبا من متاريس حفر الماضي، ومن الفواصل الحياة، ومن كل مستلزمات إرهاق العمر الزمني، وفي تلك الحركة البطيئة بالتأني والآهات، كانت أصابعهاالمرتعشة لا تقدر على ستر تعرجات الجسد المتعري والمبلل بالتعب.
في الزاوية الدانية، وفوق أزلية السرير المنهك من الرقاد الفوضوي بِمُتع الارتعاش. يتذكر السرير الوضيع ذاك الماضي المنغمس في المتعة الزائلة، وبات يحكي عن ابتساماتها كانت طافحة بالغنج، وارتعاشات الشبق المدوي.
كانت المرأة تتهاوى بجسدها المتراخي بالعلل فوق متسع متضائل من السرير العتيق، فيما الباقي فقد كانت تحتله كومة ملابس من المهملات المتراكمة بالتبعثر. في تدارك لذاك التفكير السلبي، كانت تنظر علوا، وهي تحمل وصفات كل الآلام الصامتة وبلا دواء طهور. في علو سقف الغرفة كانت تتابع عنكبوتا نسج خيوط مملكته الهشة على أسلاك المصباح الباهت النور. تتأمل حركته قبل أن ينقض على الفريسة الغافلة تحته، ويكبها أسرا بذات الغرفة القديمة.
من الخَلْف القريب، الصوت الوحيد يأتي طيعا من تلك النافذة الصغيرة، شقشقة عصفور في قفص حبيس، يُناجي الفراغ والوحدة، ويعلن لعنة الحياة التي قيدته وحيدا، وبلا متعة الحرية.
لم تحفل السيدة بُدا بالنور الآتي من زاوية النافذة الضيقة، حتى وإن مسَّهَا عمق شعاع الشمس النير، فهي متحجرة في مكانها. وبصوت العصفور الجريح المتباكي، كانت تعيش فيض أحلام متلاطمة من الماضي، وتدفق شعرية وجدان (الذكريات التي تأتي وتؤدي) حين كان العمر يماثل رواية (القايد العيادي خربوشة).
في غفلة من السكون المحنط، تتحرك أنثى العنكبوت بهمة القنص، غير آبهة بوحدة المرأة المتعرية. وضد قسوة النسيان، استنبتت المرأة تراجيديا أحداث الإرادة التي ألقت بها متعرية فوق ذاك السرير منذ طراوة الجسد الآدمي، والذي لازالت تتوسده نوما بوحدة التكمش. حين أدمعت عيناها من طفلة القدر التي خارت قواها، لم تقدر حينها الفصل بين ماضي الأنوثة والحاضر البئيس. كانت تبكي يأسا على من ورط جسدها عشية في هذا البيت الوضيع، وفي تلك الغرفة النائية عن العيون المتلصصة. كانت دمعة لاصقة بالخد وهي لم تفارق البتة ذاك السرير بآهاته وأفراحه، والتي قد تنتهي مع قدرية نهاية العمر.
يقولون احذر المرأة التي كانت عارية في فراش المتعة!! وهي تنادي، لم أختر حياتي ولم تكن لي قوة المَشُورة في التعري ولا المكاشفة المفضوحة، فالتاريخ يسجل تجربة العمر مرورا بالنحت على الحجر، وضد مكر النسيان. في رأسية السرير العلوية كان التعري المتجعد يستلطف هدية صورة قطار العودة لمن أحبته وحاربت قوة النسيان، ومنذ مدتها خرج ولم يعد. كانت رحلتها الحياتية الإرادية تبقىيه خالدا مع صورة قطار اللاعودة، كانت المرأة تحمل الفقد والهروب إلى الخلف بلا استدارة توازن، ولم تقدر على صناعة عودة القدر المقدر بحياة الملهاة. كان جسدها يماثل مرجع من تاريخ المواجع القديمة،وبه من أثر نذوب العمر كتلة متراكمة ونقطا متقطعة من ممرات سراديب تجارب الحياة. حين سقط ذاك العنكبوت نحو صدرها، وفي صدمة هوس التخلص من الفزع، رمت تلك المنشفة القديمة، وباتت واقفة بازدواجية صورة المرآة والمرأة المنهكة. كانت تبحث عن العنكبوت المشاكسة الحربي، فقد أصبح منذ لحظتها مشكلا بنيويا في ذاكرتها القصيرة، والتي قد لا تحمل هوية ولا جواز سفر من زمن الذكريات الباقيات…