محسن الأكرمين.
الأحد 24 نونبر 2024 – 22:58
قد نَمُرُّ على الصورة أو المعروضات العينية بالأسواق الأسبوعية التقليدية، ونحن لا ندري ما مدى استعمال تلك الغاية أو المنتوج؟ في سوق مدينة الجبل الشامخ خنيفرة المدينة، والذي أثارتني عند زيارته بالرؤية تنوع المعروضات البسيطة ذات الاستعمال اليومي، أو استعمالات الفقراء، والتي غالبا تتأسس على عرض حاجيات الساكنة الاستهلاكية، وساكنة الجوار والضواحي النائية.
قد يكون البعض منَّا أتلف مشيته البدائية الأولى، ومدى ممارسة الحبو (التحنقيز) في التطور والتطوير، أو فَقَدَ بلغته التقليدية من خلال الانغماس والغطس في الماء الساخن لأحواض (الجاكوزي) والمسابح الأنيقة !!! قد نكون نحن جيل ما بعد زمن الاستقلال القريب يتذكر ذاك النصب القائم من القصب، والملفوف بالأغطية الصوفية، والذي كان يشابه بناء خيمات (الأمريكيين الأصليين الهنود). إنه الحمام العائلي القديم (القريب من زمن ما قبل الاستقلال)، والذي كان يطلق عليه على اختلاف المناطق (تَاحَمَامْتْ)، فقد كان يُنصب في المنازل والعراصي ليلة الجمعة أو الأحد، أو في أيام تقطير ماء الورد والأزهار والأعشاب.
مظاهر الحداثة (البعدية) أنهكت ماضينا بالتفتيت والطرح في فوهة مداخن النسيان، والتي حتما واكبناها بالإفراط المملِّ في الاستلاب والانبهار، وغير ما مرة باللاوعي من التحدي من الآخر (الحاضر في تفكيرنا، والغائب في زمن ذواتنا)، حتى بات الزمن (الحاضر والماضي) ينفلت منَّا جزء بعد جزء، وأنستنا تلك الحداثة (الهجينة الهمجية) أقساطا من ماضينا الحقيقي، والذي قد لا نحمله لفظة (الذهبي) بالابتهاج، بل هو زمن متغير من الحاضر الذي لا ينفك يمضي بمتاهات التغيرات. اليوم، بتنا نعيش نوعا من أنواع النسيان الذاتي أو التناسي (اللامادي)، لكن ورغم فقد تبقى الذاكرة المستفيضة في التحقيق تستحضره بامتياز الحدث أو التذكر الهوياتي/ المرجعي.
زمننا هذا لم نعد نمتلكه، انفلت منَّا من شدة الانغماس في سياسة التحضر (التكدسي الكلسي)، والمفرط في نمو أحلام الفكر البورجوازي (الفارغ من مقومات أسس البورجوازية الغربية)، ونحن لازلنا عند منتهى الفئات المتطبعة بشراهة مع الحداثة (المابعدية)، ولا نقدر البتة على مسايرتها وفق أنماط رؤية الحضارة الأصيلة كما ورد عند (ابن خلدون أو أرنولد توينبي).
حين رأيت تلك الخيمات المستطيلة، سألت البائع البسيط المتواجد عند بوابة السوق الأسبوعي بمدينة خنيفرة الشامخة، والذي كان تغلبه اللكنة الأمازيغية، ويمزجها مع الألفاظ العربية، والتعبير الأمازيغي الدال بالتوصيف الدقيق، لأجل البيان والتبيين والتفهيم الراقي. قال: إنه حمام الفقراء، حمام أهل البادية، حمام أسري صحي لا يتطلب غير تحضير الماء الساخن، والانخراط في عمليات التنظيف والاغتسال.
حقيقة ذاتية، وقفت على كيفية نصب الخيمة (تَاحَمَامْتْ) العصرية، وكنت متفاعل الإنصات لكل شروحاته الدقيقة، والتي تخطت الاغتسال إلى المجال الصحي، والحفاظ على الماء كقيمة حياتية عند أهل البادية (الاستدامة والأمن المائي). في الأخير ابتعت واحدة منه، ولم أساومه في الثمن …. إنها بحق (تَاحَمَامْتْ) تُحفة من الزمن الماضي القريب، وتُعيد الذاكرة إلى الاشتغال واسترجاع الزمن المنفلت بالتوثيق والتدوين.