آخر الأحداث

تذكرة عودة: شجرة رافقتني في مشوار بداية العمل.

هيئة التحرير27 نوفمبر 20241 مشاهدة
تذكرة عودة: شجرة رافقتني في مشوار بداية العمل.

محسن الأكرمين.

الاربعاء 27 نونبر 2024 – 20:41

دائما أقول أن الذكريات تأتي مرات فرحة ولا تؤدي النفس العليلة، وفي غالب الأحيان تُعلن بلا استشارة الثورة على دموع الأعين وبمنشط إحياء تاريخ من الماضي القريب بمرارته الذاتية واللاحقة. للنَنْظُر جميعا إلى الصورة لأنها الأسناد الباقي الحي في هذا الحكي، ففي تلك الرقعة الجغرافية الخالية من معالم الحياة، والصورة لا تحمل جمالا بيئيا ولا طبيعيا، ولا حتى خضرة مرج ربيع مورقة. صورة لشجرة السدر القصيرة، والتي لازالت تسكن عند حافة الطريق التي تربط مدينة أزرو ومدينة مريرت (على بعد 12 كلم باتجاه مريرت يسارا).
عرفت هذه الشجرة القصيرة ذات الشوك الصلب المؤلم والنبق اللذيذ منذ سنة (1989)، حين تم تعييني للعمل بقرية تبعد عن الطريق المعبد بما يزيد عن (3كلم). بحق كنت محظوظا في ذاك الزمن حين تم نثر جميع أصدقائي على (قرون) الجبال بحدود جبال العياشي وتونفيت وأكلموس…. أول ما نزلت من (كارْ) السواقة آتيا من سوق الحد وادي إفران، كان نزول قدمي بجانب تلك (السدرة) الأبية عن قساوة المكان و الموت والاندثار. كان مكان النزول يُدعى باللغة الأمازيغية (تَكُورتْ إزمْ)، وتعني باللغة العربية (كدية الأسد). حينها كنت وحيدا فريدا في تلك البقاع الخالية من البشر، ومن حركة المدينة الدائبة و التي ألفتها. نظرت لتلك (السدرة) في فصل ثمار (النبق)، وتناولت من مُرِّ نبقها تذوقا، ثم اتجهت في مُنحدر الجرف نحو مشارف قبيلة (آيت بويمجان) دوار الصخيرات.
كنت أتلمس الطريق ومفترق المسارب الكثيرة، والتي لا تحمل علامات التشوير الممكنة. استعملت ذكاء ابن الفلاح (رحمه الله)، وشغلت ما تعلمت من دروس أقطاب الجغرافية، واتكلت على الله سيرا، وبلا مرجعية أين أنت متوجه؟ كانت التراب يرافق حدائي الجديد، حتى بات البريق اللامع يشابه (نَعَالَةَ) متشرد، وأرضيته تشتكي من الحصى، ومن (المَّرْمَدَة) التي أصابته في أول يوم انتعاله.
حين رأيت المؤسسة المدرسية من بعيد، حمدت الله، أني لم أضيع مقصدي، واتجهت نحو بعلامة تلك الصومعة القصيرة التي تجاورها. لِما يفوق عن نصف ساعة وقد تزيد من المشي في عز ظهر شمس الخريف، وصلت منهوك القوى لأتلمس تلك الفرعية النائية، والتي تحمل كل خدوش زمن النسيان والإهمال.
جميع من في البيوت والتي تجاور قاعدة الجبار، كانت نظراته تتمعن في هذا الغريب الآتي. كنت أحس أن بعض العيون تلتهمني وتتحسس مساءلتي من أنت؟ ومن أين أتيت؟ وما تبتغي بهذه القرية؟ حقيقة لم اعر الأمر عبرة، بل واصلت خطواتي حتى بوابة القسم المنهوك.
جلست لأسترجع أنفاسي، وأستجمع دقات قلبي بالتوازن. كنت أرغب في شربة ماء، كنت أبحث عن من أسأله بضع أسئلة حول المنزل المخصص للمعلم. في لحظة توقف حصان يمتطيه رجل من الأبهة القروية، واللباس الأمازيغي الأصيل. ناولني بالسلام والتحية، وتأملني مليا، وقال : أنت المعلم الجديد. قلت نعم. قال اتبعني وهو يترجل من حصانه.
(يتبع)