آخر الأحداث

الإنسان 5.0 …بين هيمنة الذكاء الاصطناعي وميلاد كيان بشري اصطناعي جديد

هيئة التحرير9 يناير 202512 مشاهدة
الإنسان 5.0 …بين هيمنة الذكاء الاصطناعي وميلاد كيان بشري اصطناعي جديد

أنوار قورية – خبير في الذكاء الترابي والحكامة الرقمية

الخميس 09 يناير 2025 – 14:58

مع التطورات التكنولوجية الحاصلة وولوج بعض دول العالم عصر “تكنولوجيا 5.0″، أصبحنا نساير مع مرور الوقت تحولا شبه كلي في العلاقة بين الإنسان والآلة (الروبوت) وفي ضوء ذلك يمكن استخلاص فكرة أساسية تتمثل في تجاوز الذكاء الاصطناعي دوره ومهمته كأداة لتحسين الإنتاجية ليصبح كيانا مستقلا وقادرا على التعلم والتفاعل بشكل رهيب يحاكي سلوكيات الإنسان بمختلف مظاهرها وتمظهراتها، ذلك ما دفع مجموعة من الخبراء من التأصيل والتنظير بمبنى علمي لفكرة “الإنسان الاصطناعي” إذ يبدو من خلال هذه الفكرة أن البشرية تسعى إلى دمج الذكاء البشري مع الذكاء الاصطناعي في كيان جديد، وأفترض أن يكون رجل الأعمال إيلون ماسك أول المدعمين للفكرة وأحد السباقين لتنزيلها على أرض الواقع لاعتبار أن ماسك لديه طموح يفوق مراتب التفكير الانسان العادي، فالمؤكد أن طرح الفكرة بصوت منخفض سيثير تساؤلات فلسفية وأخلاقية عميقة حول طبيعة الإنسان ومستقبل علاقته المجهولة مع التكنولوجيا الذكية… وبما أن المقال سيأخذ شكل الاستقراء فمن الواجب تحليل النتائج والمخرجات على ضوء التساؤلات الآتية، ما هي الضمانات التي ستسمح أو ستمكن من دمج الذكاءين البشري والاصطناعي لنحصل على انسان اصطناعي من الجيل الخامس ؟ وهل تتطلع البشرية لتنتقل تاريخيا من نمط العبودية في زمن الجاهلية الى العبودية الآلية والتكنولوجية ؟ وهل يمكن اعتبار الإنسان الاصطناعي نعمة أم نقمة من وجهة نظر واقعية تضع الرؤية المستقبلية للبشرية في صلب التحليل؟
يجمع موضوع الإنسان الاصطناعي في نسخته 5.0 مزيجا من المهارات التقنية والخبرات غير المسبوقة، من خلال الانسجام الذي ستحققه عملية دمج الذكاءين البشري والاصطناعي في قالب أتوقع أن يكون مليء بالاسرار المخيفة، فالنقاش بكل تأكيد سيتجاوز مستقبلا سقف اعتبار الانسان الاصطناعي مجرد توأم روبوت ذكي قادر على تلقي التعليمات وتنفيذ المهام المسندة إليه بكفاءة وفعالية، لأن التطورات الحاصلة اليوم تظهر لنا عكس ما يمكن لأي عقل بشري ان يتصوره او يفكر في حيثياته وتفاصيله، وربما كان هذا أحد الاسباب التي دفعت علماء ورواد الذكاء الاصطناعي الى تقديم استقالتهم من مهامهم بشركات عملاقة ورائدة في المجال، الأمر بصدق مخيف ويدعو للقلق خصوصا مع الضبابية والغموض الذين يلفان مسار تطور هذا العلم… فقد يشكل التعلم الآلي والعميق مع المحاكاة البشرية إحدى التقنيات المستحدثة لتمكين الإنسان الاصطناعي مستقبلا من تقليد السلوكيات البشرية او بمعنى أصح نقل الصلاحيات البشرية لتشكل دعامة في اتخاذ القرارات المرتبطة بالعاطفة والأخلاق… ففي مقال سابق كنت قد ناقشت موضوع الشرائح الالكترونية المثبتة تحت جلد الانسان وربطته (الموضوع) بالدمج العصبي الرقمي المتمثل في تحقيق الترابط من خلال وصلات بين الدماغ البشري وبين الشريحة العصبية الرقمية بغية تحويل الأفكار البشرية إلى بيانات مشفرة ومعالجتها في الوقت والزمن الواقعي، في الواقع فكرة المقال تأتي لتعزيز المبدأ العام “كرّمنا الانسان بالعقل”، لذلك فالكيان الجديد موضوع المقال يناقش الأبعاد التكنولوجية السرية لهاته النسخة 5.0 وما يمكن أن تقدمه من حلول للمعضلات الكبرى مثل التغيرات المناخية، الأمراض العصبية المزمنة… ولكن مع احترام ماهية الإنسان (ابن آدم) الذي خلقه الله في أحسن تقويم، وانسجاما مع روح الفطرة التي خُلقنا عليها عبادا للخالق الواحد الأحد، لا بد من التذكير أن التطورات التكنولوجية المعاشة نقلت الإنسان من موقع التحكم والسيطرة إلى موقع التبعية والخضوع الأعمى للروبوت، فالأسباب والعوامل تتأرجح بين الإغراء بالراحة والاتكالية، وبين الثقة المفرطة في الآلة والآداة، فتكنولوجيا الجيل الخامس خففت من معاناة الانسان اليومية في البحث والتنقيب عن حلول لبعض مشاكله الروتينية، لكنها ويموازاة مع ذلك نجحت في تقييد استقلاليته، حيث أظهرت بعض الدراسات الدقيقة أن الانسان أصبح عبدا للذكاء الاصطناعي والروبوت، هذا الأخير الذي أضحى مرجعا ساميا في اتخاذ قرارات مصيرية تهم الحياة اليومية للكائنات البشرية، كما أسلفت الذكر أن الوضع لا يطمئن خصوصا وأن هذا الترابط المتدحرج من صلب إلى ناعم بين العقل البشري والآلة ستكون عواقبه وخيمة على الهوية الفردية للمستخدم الذي سيكون ضحية هيمنة تكنولوجية تسيطر عليها الخوارزميات، وهذا واقع وشر لا بد منه ولا مفر من تداعياته، كما يقال النقمة تعم والنعمة تخص، فبالرغم مما سيقدمه الإنسان الاصطناعي 5.0 من حلول ذكية، إلا أنه يحمل في طياته تهديدات وجودية تتمثل في جعل الكائنات البشرية عرضة للتلاعب من خلال النظم المعلوماتية الذكية المتاحة وهو ما ينتج عنه استغلال شاذ لنقاط ضعفهم، سبب كافي ليتحلل الإنسان من انسانيته ويضع نفسه تحت حذاء الانسان الاصطناعي الجديد الذي سيتحكم بمصيره ويفقده قوته العقلية والجسدية ليسير به نحو المجهول وبعد ذلك سيكون من الصعب الرجوع عن تلك المسارات لأنها لم تكن خيارا مصيريا ومع ذلك ظل الانسان الطبيعي يسابق الزمن ليحجز لنفسه مكانا خارج خندق الفكر والعقل، والطامة الكبرى أنه من الصعب معرفة الأجندات الحقيقية وراء كل ما سيقع مستقبلا لذلك أجدني مضطرا كل مرة للحديث عن رجل الأعمال ايلون ماسك وقدراته الخارقة في الابتكار والابداع واستحداث المناهج والأفكار التي تطفو على سطح النقاشات العالمية، فالانسان الطبيعي اليوم ملزم بإعادة التفكير في علاقته بالتكنولوجيا، بل يجب عليه أن يبحث عن نقطة التوازن في تلك العلاقة بما يضمن عدم تحوله إلى عبد للروبوت أو إطار آدمي منزوع العقل، مستعمر ومقتحم من قبل أنظمة الذكاء الاصطناعي، فقد بات من الضروري وضع ترسانة أخلاقية صارمة لتطوير الإنسان الاصطناعي 5.0، وفق مقاربة ترتكز على تعزيز الوعي المجتمعي بمخاطر التبعية المفرطة للتكنولوجيا بجميع أنماطها ونماذجها…
لا شك بأن الإنسان الاصطناعي في نسخته الخامسة سيمثل ذروة تطور العلاقة بين الإنسان الطبيعي والذكاء الاصطناعي (الروبوت)، لكنه يضعنا أمام مفترق طرق بين المستقبل الأبيض أو الأسود، فهل سيتمكن العالم من السيطرة على هذه الأنظمة الذكية أم سيصبح مجرد أداة في منظومات متفرقة يسيطر عليها الذكاء الاصطناعي؟ تظل الإجابة رهينة بالزمن والمستقبل والأكثر من ذلك تظل رهينة بقدرتنا على تحقيق التوازن المرجو بين التطور التكنولوجي والحفاظ على جوهر الإنسانية…