آخر الأحداث

ذاكرة مدينة من ذاكرة إنسان منسي..

هيئة التحرير6 مارس 20251 مشاهدة
ذاكرة مدينة من ذاكرة إنسان منسي..

محسن الأكرمين.

الخميس 05 مارس 2025 – 21:55

ما أجمل أن تقطن بين أحضان مدينة ذاكرتها تنام تهورا في شمس قيض، ولا تستيقظ إلا عند الاستحقاقات الانتخابية. دوما كانت ذاكرة المدينة تفيق مع الفزع الملازم، والتلاشي مع مآسي الأحداث الطارئة. فما أسوأ التذكر حين تُمْسي وقد تنام ذاكرة المدينة في سهو منسي، ونحن لا نزال نُشغل عقولنا بالتراخي الرخو حتى لا تموت المدينة بالحتمية والفجائية. إنها بحق الأحلام المبتورة، والتي تحمل كل مثيرات الأضواء الزائفة، وملونات فقاعات نصب الفخاخ المميتة.
يبق لنا بالجمع أن نستغرب من شيء، أن مدينة طيعة منذ أن كان القدر سيدا في مسقط رأسي بين أسوارها الأميرية. ومهما كانت غرابة الاستدلالات بالذاكرة المفقودة للمدينة الطيعة موضع بديلا عن المدينة الفاضلة، فالأمل الضائع بات سيد الحديث ومنه كانت البداية والختم.
منذ الزمن الماضي القريب كان جزء من الأحلام المبتورة للمدينة الطيعة، يسارع الوقت على نحو من التهور والفهلوة بالبحث عن المنقذ (المهدي المنتظر). وخلافا لمحطة (غودو) الأخيرة، فقد طال أمد الانتظار عن التنمية الموعودة، وعن عودة ابتسامة الحياة للمدينة. لكن الأدهى من ذلك كانت أحلام ذاكرتنا جميعا تلتصق بالماضي، وتصنع منه الرمزية (الذهبية)، وتلقي باللوم على الحاضر ( المصدي) الذي لم يقدر أن يصنع ولو جزء من الماضي القريب بالتشريف والذكر.
التشكيك بكل النيات الحسنة، اختلط مورده بذاكرة مدينة، وتم تعويم رؤية الفساد على وجه تربها. فكل الوعود الجميلة التي واعدونا بها باتت حتى من الاستدلالات الفاسدة، ولم يبق لنا من صحتها غير الدعاء وراء الإمام وقول: (آمين) !!! حين يقول: اللهم امحق الفاسدين، نقول جماعة وراءه (آمين)، يقول: اللهم شتت شملهم، نقول : (آمين). يقول: اللهم احرق مالهم ، وحاسبهم حساب الحكامة المالية، نقول: (آمين)، ونحن نعلم علم اليقين أن صدقات الفاسدين (قففهم) تقيهم من دعاء الإمام !!!
كل ضروب التشويش وتعطيل التنمية بمدينة الذاكرة المنسية، تعطل عيوننا من الإبصار في الأفق الجميل المبتسم. ولم يبق لدينا غير الحق الوحيد في استرجاع الثقة في قدرتنا على إقرار عقاب الصناديق الانتخابية (2026). لم يبق لدينا غير المشاركة وليس المقاطعة البئيسة السلبية التي تجعل من صغير القاسم الانتخابي يتسيد المشهد السياسي العقيم، ويماثل في خرجاته (دُونْ كِيشُوتْ).
حقيقة غير مراوغة بفنية (سفسطائي)، أن ذاكرة المدينة لا تطيق فهم الكليات الواجبة للتغيير واستلالات البدائل، بل فهمنا في حدود ظل الغروب الباهت، يقف عند الحقائق السهلة المختلطة بفساد الاستدلال والتبعية الموغلة في لحظات الانبطاح، و الهرولة نحو الاقتيات من فتات البقايا ريع (حلال) الأسياد.
ذاكرة مدينة تُنتج الحذلقة في النزق(والنزوقية الفايقة) في ظل غياب أسس ما ذكر في دستور المملكة من الكلمات الكبيرة (الحكامة/ الديمقراطية/ التشاركية/ العدالة/ حق الدولة/ العدالة الاجتماعية/ الرفاه/ المناصفة/ الكرامة/ العدالة المجالية…). فحين تغيب الأخلاق والقيم عن السياسة، نكون نتفحص الانتقاد الثنائي (الأغلبية والمعارضة) في فكر سياسي عبتي، ونحن نعلم أنها تلاسنات مغرضة ومفبركة لدغدغة المشاعر اللينة، ويمكن أن يصبح المعارض بالأمس أبكما وغبي الفهم حين يتربع على كرسي الأغلبية متسيدا.
هي مسألة ذاكرة مدينة تصيد في بحيرة مستنقع لا سمك تنموي ذا جودة فيها. ومن حمية استحضار الذاكرة المنسية حتى ولو بالجزئية لا الكلية أن نحارب الاستدلالات المغرضة بهذه المدينة، حتى لا يصاب الجميع بداء النسيان، والتقادم الذي يريد تحنيط حتى الأسوار والقصبات، ويبخس كل رؤية تحديث للتمكين الحضاري.