آخر الأحداث

موقف الرئاسة الأمريكية “ترامب 2” في نزاع الصحراء بين ترقب تأييد سيادة المغرب و حذر من المفاجئات طموح الجزائر

هيئة التحرير24 مارس 202515 مشاهدة
موقف الرئاسة الأمريكية “ترامب 2” في نزاع الصحراء بين ترقب تأييد سيادة المغرب و حذر من المفاجئات طموح الجزائر

صبري الحو*

الاثنين 24 مارس 2025 – 14:20

لا زالت ادارة الرئيس الأمريكي ترامب الثانية صامتة بخصوص موقفها من نزاع الصحراء المغربية، السكوت الذي يفسر أنه استمرار على تأكيد نفس الموقف بتاريخ 10 دجنبر 2020 الذي يعترف بالسيادة المغربية على كل الأقاليم الصحراوية و يجعل مشروع الحكم الذاتي حلا جديا و واقعيا و دو مصداقية في اطار خارطة طريق محددة منطلقاتها و نهاياتها و أطرافها.

بيد أن الأطراف تتوجس خيفة من هذا السكوت، سيما إذا استحضرنا نهج الرئيس الأمريكي على لغة الخطاب الجريئة و القوية و المستفزة لتحريك مجموعة من الملفات و القضايا والنوازل دون اعتبار لمصالح وحقوق أطراف القضية و تحفظات حلفائه التقليديين بل تهميشهم و إقصائهم على غرار مبادرات انها الحرب في أوكرانيا .

وإذا تمعنا في أولويات التوجه الأمريكي الذي يسعى إلى فرض الهيمنة الأمريكية على العالم بقطب وحيد و محاولات إضعاف بقية الأقطاب الاقتصادية في أوروبا والصين وغيرها من المجموعات الصاعدة ، و استعراض قدرتها المرعبة في بسط نفوذها و قراراتها حول العالم من خلال محاولة التأثير السريع و التدبير الاحادي في مجموعة من القضايا و الجبهات ،و ترسيخ مفاهيم وحلول غريبة و مواجهة كل الخصوم و المتنافسين بقرارات فوقية على اساس تنفيذ الوعود الانتخابية و ليس على اساس التوافق و الحلول المستدامة .

فإن اي مقاربة نسقية وتحليل تفكيكي او قراءة تأويلية يجعل ضبط الموقف و القرار الأمريكي الجديد مستعصيا و صعبا ، بعد أن انقلب على كل القواعد و الموازين وكسر كل الضوابط و القيود والتحفظات و تجاوز كل الحدود والمعايير و التوقعات ؛ فلا حديث لدى الرئيس ترامب سوى عن المصالح و العروض الاقتصادية و المواقع و المجالات الاستراتيجية التي ستجعل من امريكا الكبيرة من جديد: America great “again .

و على إثر ظهور وبروز بعض البوادر والمؤشرات الاقتصادية الدالة التي تستأثر باهتمام وتركيز الرئاسة الأمريكية والمؤثرة ترجيحا في صناعة القرار الأمريكي يحاول أطراف نزاع الصحراء المغربية؛ وخاصة في الجزائر اثارة انتباه و طمع الادارة الترامبية تو ” Trump two عبر التلويح بعروض مغرية تناولت مقدرات الجزائر من الطاقة والمعادن النادرة بدون تحفظ ثمنا لاستمالة واغراء ترامب بالتراجع عن القرار الأمريكي المؤيد لسيادة المغرب على كل الصحراء أو كبح حركة مسيره أو حتى احداث انقلاب في الموقف الأمريكي لصالح الجزائر “حلم الجزائر”! . وهو العرض المقدم من طرف صبري بوقادوم عبر جريدةUSA TODAY – Business focus بتاريخ 18 فبراير.

فالعرض الجزائري بدون سبب وبدون موجب يتجاوز بدهاء مقترن بالغباء مجرد توجيه دعوة بحسن نية و بطريقة أغرب عبر الإعلام إلى الإدارة الأمريكية من أجل الشراكة في عمليات الاستكشاف والتنقيب، بل هو سيناريو محبوك و ببروغاندا مستفزة موجه عنوة وبسوء نية بدافع إلهاء الادارة الأمريكية وتشتيت تركيزها وثنيها عن الاعتماد على دول ومنافذ و ممرات تجارية واقتصادية محددة مسبقا ؛ دول تتمتع وحازت على خبرة وتجربة عالية مشهود لها بالكفاءة والفعالية في الميدان آمنة ومستقرة و مفتوحة على العمق الأفريقي مثل المغرب.

القرار بالاعتماد والرهان على المغرب وموريتانيا في شمال أفريقيا الذي اتخذته امريكا بهدف استدراك الوقت لضمان التواجد الأمريكي في أفريقيا الذي تأخرت عنه أمريكا وأوروبا والحلف الأطلسي لصالح أفضلية بفارق كبير لصالح الصين وروسيا. و بالمقابل تعتبر الجزائر بحكم الواقع والمؤشرات كيانا منغلق بدون حظوظ ولا مؤهلات لجلب انتباه الادارة الأمريكية الجديدة، فالحدود الجنوبية الجزائرية موصدة مع كل جيرانها مع مالي والنيجر وليبيا وتونس والمغرب وموريتانيا، و تعيش حالة عزلة إقليمية و حصارا و عقوبات اوربية تقودها فرنسا.

وتعتمد الإدراة والرئاسة الأمريكية على دول بأنظمة تحظى بمصداقية إقليمية و دولية ، جدية في علاقاتها الدولية و ثابتة في موقفها ومستقلة في قرارها السياسي امام القوى الكبرى المتصارعة و المتناقضة ، و يتمتع المغرب بمؤهلات و مقدرات تجعل منه بيئة جاذبة و حاضنة للاستثمار ؛ كلها مبادئ و قيم و خصال تفتقدها الجزائر وتقصى من الارتكاز الأمريكي لكونها جمعت كل القوى الكبرى تتصارع اقتصاديا وتجاريا في إقليمها، وفقدت الجزائر من حيث تدري او لا تدري سيادتها على قرارها السياسي والاقتصادي ومهددة بمخاطر أمنية حقيقية داهمة وليست فقط احتمالية .

ويعترف صبري بوقادوم السفير الجزائري الدائم لدى الأمم المتحدة في استجوابه مع جريدة امريكا توداي بذلك بقوله “أن التحدي الذي تواجهه الجزائر يكمن في عدم اعترافها كوجهة مفتاح للاستثمار ” وربط ذلك بغياب الامن والاستقرار منذ عشرية الارهاب: One challenge we face is that Algeria is not widely recognized as a key investment destination ، والدليل توفره أيضا تصريحات الرئيس تبون خلال زيارته الأخيرة لروسيا الذي قال في أمريكا والدولار الأمريكي و النظام الليبرالي “مالم يقله مالك في الخمر” .

و بالمقابل. فان المغرب الواثق من نفسه حافظ على هدوئه الحذر إزاء أي تطور او تغيير او تعديل مفاجئ في الموقف الأمريكي، و يسعى بثبات وواقعية لترسيخ وتثبيت سابق قرار الادارة الأمريكية و استثماره في قدراته المعلومة والمعروفة لدى امريكا في أن المغرب عنصر فعال و ركن حاسم في ضبط وصناعة عوامل التنمية والأمن والاستقرار في المنطقة بامتدادها المغاربي وتردداتها الإيجابية في الساحل و الصحراء، وحجة المغرب في ذلك؛ تقارير الأمين العام للأمم المتحدة و قرارات مجلس الأمن المرتبطة بدراسة الحالة الدورية في الصحراء المغربية. التي تعتبر امريكا حاملة قلمها.

و ما فتئ المغرب يقدم نفسه المؤهل الوحيد و الأوحد في المنطقة الذي يساهم في صيانة الأمن و السلم الدوليين، يحارب الارهاب والجريمة المنظمة. و يبرهن بأنه آمن و مستقر ، و بوابة جغرافية متاحة ومضمون ، لديه مدخرات من المعادن النادرة و الثمينة التي تصلح في التكنولوجيا الجديدة للبطاريات و الهواتف و الشاشات ( جبل تروبيك الذي يدخل ضمن المنطقة الاقتصادية للمياه الاقليمية المغربية مع اسبانيا .

و منذ سنة 2014 انتهج المغرب سياسات افريقية جديدة منحته امتيازا و أفضلية جعلت منه بوابة اوروبا و امريكا كما الصين و روسيا نحو افريقيا اقتصاديا و لوجيستيا، حيث مكنته من معرفة حقيقية بمراكز و مناطق و ميادين الاستثمار في أفريقيا؛ في الصناعة و التعدين و الأبناك و التأمينات و هي قطاعات ذات أولوية واهتمام لدى الشركات الامريكية.

كما أن للمغرب علاقات وطيدة مع كل دول الساحل و جنوب الصحراء و مع كثير من الدول الافريقية. كما يستفيد المغرب كذلك من علاقاته المتميزة مع كل دول الخليج ، وخاصة دول السعودية والإمارات التي اصبحتا ذات ثقل سياسي و ديبلوماسي في التأثير على قرارات و توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة .

أكيد أن شهر أبريل المقبل سيكون محل تتبع و اهتمام لأنه سيكشف عن التوجه الأمريكي بين الثبات و الاستمرارية التي يتطلع إليها المغرب، و يعتبر تعيين سفير أمريكي جديد يعرف و يدرك مكانة المغرب في محيطه الاقليمي و الجهوي و علاقاته بأوروبا ، ورقة ومؤشر يدل على قوة الاهتمام الذي يحظى به المغرب لدى الرئيس ترامب . فقد كان سفيرا سابقا لأمريكا باسبانيا وهي دولة عضو فاعل في منتدى الدول اصدقاء الصحراء. كما يعرف حقيقة و عمق و اثار الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء و بجدية و واقعية و مصداقية مشروع الحكم الذاتي .

ولا مراء أن إحاطة السيد دي ميستورا المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء و التي سيقدمها إلى مجلس الأمن خلال أبريل ستجعله في موقف صعب و ذو حساسية شديدة. فهو يعرف خلفية نوايا امريكا في إلغاء او تخفيض وتقليص دعمها وإنفاقها على للبعثات الأممية والمنظمات الدولية الذي قد يشمل ويطال المينورسو.

وهو (أي ديميستورا ) في ورطة حقيقية لأنه في وضع وفي أمس الحاجة إلى استصدار دعم صريح وواضح وجديد من مجلس الأمن بعد ان تسربت اخبار أنه كشف عن مخططاته ومقترحاته بتقسيم الصحراء، و هي توصيات قديمة ترجع لعهد الأمين العام كوفي عنان ومرفوضة بشكل بات ومطلق ولا رجوع فيه من طرف المغرب، و مقترحات تتناقض مع الاعتراف والالتزام الامريكي و الاعتراف الفرنسي و التأييد الاسباني الذين يؤيدون سيادة المغرب و يتناقص أيضا مع تنامي الدعم والحشد والديناميكية الدولية لتأييد مشروع الحكم الذاتي وعلى أرض الواقع بفتح قنصليات في الاقليم كحل و بالجهوية المتقدمة لتطوير الديمقراطية المحلية والتشاركية بالمغرب.

و مهما كان ويكون ما سيحمله تقرير المبعوث الشخصي للامين العام للامم المتحدة من مضمون في إحاطته نصف الدورية، تنفيذا لقرار مجلس الأمن عدد 2756 وتاريخ 31 اكتوبر 2024، فإن أي شكل من اشكال الحل يبقى مشروطا بقاعدة التوافق بين الأطراف ، و في إطار الحل النهائي يمنح إشهادا بنهائية النزاع ويبقي الصحراء تحت سيادة المغرب و ليس مجرد حلول بائدة مؤقتة.

و سيبقى تقرير دي ميستوا حاسما لديميستورا نفسه و يضع ولايته ومهمته و مصداقيته في الميزان و عليه مسارعة الوقت لإعادة ضبط مقترحاته تحت طائلة اعتباره شخصا غير مرغوب فيه من طرف الجميع.

*محامي بمكناس خبير في القانون الدولي قضايا الهجرة و نزاع الصحراء
الرئيس العام لأكاديمية التفكير الاستراتيجي.