آخر الأحداث

البورقادي ادريسي محمد اخصائي نفسي يكتب ..الصفعة للقائد تمرد جيل تأثير رقمي أزمة تربوية والطب النفسي في حالة طوارئ.

صدى المغرب26 مارس 2025101 مشاهدة
البورقادي ادريسي محمد اخصائي نفسي يكتب ..الصفعة للقائد تمرد جيل تأثير رقمي أزمة تربوية والطب النفسي في حالة طوارئ.

صدى المغرب-مكناس 

الأربعاء 26 مارس 2025-10:14

هذا الفعل، هذه الصفعة التي وُجِّهت إلى قائد في الشارع، أمام الشهود، وأثناء تأدية مهامه، ليست مجرد عمل عنيف بسيط. لا، إنها أكثر من ذلك بكثير. إنها تعبير صارخ عن غياب تام للاحترام، ليس فقط للإنسانية، ولكن أيضًا للسلطة، والنظام العام، والأسس التي تقوم عليها المجتمعات. بغض النظر عن الأسباب التي تقف وراء هذا الفعل، لا يمكن لأي ظرف أن يبرر مثل هذا السلوك. ليست هذه ثورة نبيلة، بل هي عرض واضح لسوء التربية، والإحباط غير المُدار، والجهل الذي يكاد يكون مهزلة.

قبل البحث عن أسباب أو تبريرات، يجب أن نتذكر حقيقة بسيطة: التربية تبدأ من المنزل. فالآباء، وخاصة الأمهات، يتحملون مسؤولية تتجاوز التعليم الأكاديمي؛ إنهم أول من يزرع احترام القواعد الأساسية في المجتمع، واحترام الآخر، والأهم من ذلك، احترام الذات. تقع على عاتق العائلات مهمة نقل القيم الأساسية للتعايش. المسألة إذن لا تتعلق فقط بالدفاع عن نظام معين أو عن قائد معين، بل تتعلق بفكرة الاحترام نفسها، واحترام الإنسان والنظام العام. لا يمكن تصوّر أن تجرؤ فتاة شابة على صفع ممثل للسلطة دون أي اعتبار للترتيب الاجتماعي والأخلاقي.

قد يميل البعض إلى الحديث عن النسوية، لكن الواقع يُثبت أن بعض الأشخاص قد شوّهوا هذا الحراك النبيل وحوّلوه إلى ذريعة لتبرير سلوكيات غير لائقة كهذه. فالنسوية لا تُعرَّف بأفعال العنف وعدم الاحترام. لا يتعلق الأمر بأن تكون “نسوية” بأي ثمن، بل بأن تكون شخصًا محترمًا، متعلمًا، وقادرًا على الدفاع عن القضايا دون السقوط في فخ العدوانية المجانية. لم يكن هدف النسوية أبدًا أن تنحدر المرأة إلى مستوى العنف. بل هي حركة تهدف إلى التمكين، وإبراز النساء بذكائهن، وشجاعتهن، واحترامهن للآخرين، وليس من خلال انفجارات الغضب غير المسيطر عليها.

وفي مجتمع محافظ وإسلامي، حيث يُفترض أن تكون المرأة مثالًا على الأنوثة والأدب والأخلاق، فإن مثل هذا الفعل يتجاوز كل الحدود المقبولة. إنه تراجع عن القيم العريقة التي شكلت المجتمعات. هذا السلوك ليس نتيجة فهم خاطئ للنسوية، بل هو انحراف يعكس أزمة تربوية واجتماعية أعمق.

ولا يمكننا تجاهل دور وسائل التواصل الاجتماعي. هذا الفعل ليس حادثة معزولة، بل هو انعكاس لما يتخفى وراء ملايين مقاطع الفيديو القصيرة المنتشرة على إنستغرام، يوتيوب، وتيك توك. إن المؤثرين، خاصة المؤثرات، يلعبون دورًا حاسمًا في تشكيل عقلية الشباب. إنهم مهندسو جيل فقد بوصلته، وتلاشت لديه مفاهيم الاحترام، وانهارت أمامه الحدود الأخلاقية. هؤلاء المؤثرون لا يكتفون بنقل أفكار سطحية، بل يصنعون نماذج سلوكية تُستهلك كحقيقة مطلقة من قبل المتابعين. والمفارقة الكبرى هي أن الذين يهاجمون “النرجسية” هم أنفسهم من يروجون لها، ويشجعون هذه النزعة بأسوأ أشكالها.

وهكذا، يتحول التمرد إلى رمز “حداثي”، متخفيًا بلباس “التحرر”، بينما هو في الواقع ليس سوى خلق لوحوش تلتهم نفسها بنفسها. يرددون الشعارات الفارغة، ويظنون أنفسهم روادًا للفكر، لكنهم في الحقيقة يغرقون هذا الجيل أكثر في أزمة هوية عميقة.

إن هذا الانحراف يتطلب رد فعل حازمًا، لكنه يجب أن يكون جهدًا مجتمعيًا شاملاً. لا يكفي مجرد القمع، بل يجب تطبيق سياسة صفر تسامح مع هذه الثقافة المنحرفة. من الضروري محاسبة المؤثرين وتحميلهم مسؤولية تأثيرهم السلبي، وإن لزم الأمر، تقديمهم للعدالة. فالشباب الذين يتمردون دون سبب، والذين لا يحترمون شيئًا، والذين لا يرون في العنف سوى وسيلة تعبير، هم في النهاية نتاج هذا المجتمع ونموذج هؤلاء المؤثرين السامين.

لكن لا يجب أن نقتصر في لومنا على وسائل التواصل الاجتماعي فقط. إن الشباب الذين ينجذبون لهذه الرسائل المشوهة هم في الواقع مرضى. هذا العنف وهذه الغطرسة لا تأتي من فراغ. إنها أعراض لأزمات اجتماعية ونفسية تفاقمت بفعل هذه النماذج الإعلامية. هؤلاء الشباب، بعيدًا عن كونهم مجرد سيئي التربية، هم أكثر فأكثر ضحايا لاضطرابات نفسية عميقة. وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها. وهنا يأتي دور الطب النفسي، وليس علم النفس فقط. فالأطباء النفسيون هم من يجب أن يتدخلوا لمعالجة أولئك الذين فقدوا الإحساس بالحدود والواقع بسبب التعرض المفرط والموجّه بشكل خاطئ لمحتوى وسائل التواصل الاجتماعي.

لقد حان الوقت لاتخاذ تدابير صارمة لإعادة النظام وتصحيح هذا المسار المنحرف. إنها ليست مجرد مسألة قيم، بل مسألة عدالة يجب أن تأخذ مجراها. فالأشخاص الذين يهددون النظام الاجتماعي والأخلاقي والكرامة يجب أن يحاسبوا أمام القانون دون أي تساهل. إذا أردنا منع هذا الجيل من السقوط في الفوضى الكاملة، فيجب تطبيق القانون بصرامة مطلقة، ودون أي تنازلات.

لم يعد الأمر مجرد قضية تربوية. ولم تعد مجرد صفعة عابرة. إنها صرخة استغاثة اجتماعية. فالمجتمع الذي يسمح لمثل هذه الانحرافات بالانتشار دون رد فعل قوي، لا يمكنه أن يحافظ على تماسكه. لا يجب أن ننتظر حتى يستفحل هذا الداء أكثر. علينا أن نتحرك الآن، قبل فوات الأوان.