بقلم عادل بن الحبيب
الاثنين 05 ماي 2025 – 16:14
يحتفل العالم باليوم العالمي لحرية الصحافة في الثالث من ماي كل عام، لتجديد الالتزام العالمي بحرية الصحافة، وتذكيرا بالدور المحوري للإعلام المستقل وحق الوصول للمعلومة. غير أن هذا الاحتفال يأخذ طابعا خاصا حين يطرح النقاش حول الضمانات القانونية الممنوحة للصحافيين، خاصة في ما يتعلق بالتكييف القانوني الذي قد يرى البعض انه وسيلة لحماية المجتمع في حين يرى البعض الآخر انه قد يستعمل كأداة للحد من حرية التعبير.
يعتبر التكييف القانوني في قضايا الصحافة من أكثر المواضيع إثارة للجدل في النقاش الحقوقي والقانوني بالمغرب،و هو العملية التي تقوم بها النيابة العامة أو القاضي لتحديد الوصف القانوني للفعل المرتكب، أي تحديد ما إذا كان هذا الفعل يدخل ضمن خانة الجنحة أو الجناية أو المخالفة، وأي نص قانوني يجب تطبيقه عليه. في قضايا الصحافة، التكييف القانوني يكتسي أهمية خاصة، لأنه هو الذي يحدد ما إذا كانت المتابعة ستتم وفق قانون الصحافة والنشر الذي يلغي العقوبات السالبة للحرية، أم وفق القانون الجنائي الذي يجيز فرض عقوبات سجنية. حين يكتب صحافي مقالا يتناول فيه قضايا حساسة، مثل انتقاد أداء مؤسسة عمومية أو الكشف عن تجاوزات مفترضة، فإن القانون الواجب التطبيق يجب أن يكون هو قانون الصحافة. غير أن النيابة العامة قد تعتبر، بناء على طبيعة الألفاظ المستعملة أو موضوع المقال، أن الفعل لا يدخل في إطار حرية التعبير، بل يشكل مساسا بمؤسسة دستورية أو تهديدا للأمن العام أو نشرا لمعطيات كاذبة تمس النظام العام. في هذه الحالة، يتم تكييف الفعل على أنه جريمة جنائية، ويحال الملف على القضاء بموجب القانون الجنائي. وفي الوقت الذي ينظر فيه إلى هذه الآلية كإجراء قانوني طبيعي يخضع لتقدير النيابة العامة والقضاء، يرى البعض أنها تستعمل أحيانا كوسيلة لتقييد حرية التعبير وملاحقة الصحافيين خارج إطار قانون الصحافة والنشر.
المدافعون عن التكييف القانوني يؤكدون أن حرية التعبير، وإن كانت مضمونة دستوريا، لا تعني الإفلات من المسؤولية القانونية، خصوصا عندما تتجاوز الممارسة الإعلامية حدود النقد المشروع لتلامس مجالات التشهير، القذف، التحريض أو المساس بالمقدسات والمؤسسات. من هذا المنطلق، يرون أن من حق الدولة، بل من واجبها، حماية النظام العام والأمن القومي وحقوق الأفراد، وهو ما يستدعي في بعض الحالات تطبيق مقتضيات القانون الجنائي حين تكون الأفعال المنسوبة للصحافي ذات طابع جنائي صريح. كما يعتبر هؤلاء أن مهنة الصحافة، رغم خصوصيتها، لا تمنح حصانة من المتابعة إذا ما أُسيء استعمالها.
في المقابل، يعترض كثير من الصحافيين والحقوقيين على طريقة استعمال التكييف القانوني، ويرون فيها أداة مرنة في يد النيابة العامة يمكن أن تستخدم لتجاوز الضمانات التي جاء بها قانون الصحافة و النشر رقم 88.13 سنة 2016، الذي نص صراحة على إلغاء العقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر، ويذهب المنتقدون إلى أن اللجوء المتكرر إلى القانون الجنائي في قضايا تتعلق بمضامين صحافية يفرغ قانون الصحافة من مضمونه، ويخلق جوا من التخويف والرقابة الذاتية داخل الوسط الإعلامي، مما يضعف منسوب حرية التعبير، كما يثير هؤلاء مسألة استعمال مفاهيم قانونية فضفاضة، مثل زعزعة الاستقرار أو المس بالمقدسات، والتي تفتقر إلى تحديد دقيق، ما يجعلها قابلة للتأويل بشكل قد يستعمل ضد حرية الصحافة.
بين هذين الموقفين، تبرز الحاجة إلى معالجة متوازنة تضمن من جهة عدم الإفلات من المحاسبة في حال وقوع تجاوزات حقيقية باسم الصحافة، ومن جهة أخرى تحصين حرية التعبير من أي استعمال غير مبرر للقانون الجنائي. ويتطلب ذلك تطوير الممارسة القضائية، وتدقيق المفاهيم القانونية، وتعزيز الضمانات المهنية والقانونية للصحافيين.