آخر الأحداث

التشهير… جريمة صامتة تصيب الكرامة في مقتل.

هيئة التحرير27 مايو 2025106 مشاهدة
التشهير… جريمة صامتة تصيب الكرامة في مقتل.

عادل بن الحبيب

الثلاثاء 27 ماي 2025 – 11:51

لم يعد التشهير مجرد فعل هامشي أو سلوك منحرف يمارسه البعض في الخفاء، بل صار اليوم سلاحا معلنا، يشهر في وجه الكرامات، ويمارس بأريحية على مرأى ومسمع الجميع، خصوصا في الفضاء الرقمي. إنه جريمة صامتة، لا تترك أثرا ماديا مباشرا، لكنها تفتك بالمعنويات، وتفتت الحياة الخاصة، وتزرع الشكوك في المحيط المهني والاجتماعي للضحية. الكلمة حين تتحول إلى رصاصة، لا تقتل الجسد، بل تقتل الاعتبار.

الخطير في التشهير أنه لا يمارس باسم الكراهية الصريحة فحسب، بل كثيرا ما يغلف برداء حرية التعبير. وهنا يكمن الخلط الكبير بين النقد والتشهير. فالنقد الحقيقي يستهدف السلوك أو الفكرة بغرض الإصلاح، أما التشهير فهو هجوم عدائي يستهدف الشخص ذاته، غالبا بطريقة انتقائية، مضخمة، أو حتى مفبركة. وهو بذلك اعتداء مباشر على الحياة الخاصة والكرامة الإنسانية، وليس مجرد رأي شخصي كما يدعي البعض.

الأخطر من ذلك انه لم يعد فعلا فرديا عشوائيا، بل تطور إلى “جريمة منظمة” تدار أحيانا من خلف الشاشات بواسطة “ذباب إلكتروني”، يضرب بتنسيق ودقة، وفق أجندات تستهدف التأثير في الرأي العام أو تصفية الخصوم أو تشويه الأصوات المزعجة. وهكذا، أصبح الضحية لا يواجه فقط شخصا حاقدا أو غاضبا، بل يواجه حملة كاملة، مدروسة وممنهجة، يصعب صدّها أو مواجهتها .

من الزاوية القانونية، فالتشهير فعل مجرم بموجب القانون المغربي، خاصة في شقه الإلكتروني. فالفصل 447 من القانون الجنائي، كما عدلته قوانين محاربة الجريمة المعلوماتية، يدين نشر أو توزيع صور أو معطيات شخصية دون إذن، عندما يكون الهدف هو المس بالحياة الخاصة أو التشهير. وهذا تأكيد على أن كرامة الإنسان ليست مادة للترفيه، ولا موضوعا مباحا للتداول دون ضوابط.

لكن القانون وحده لا يكفي. فالمجتمع، بمنصاته وذهنيته، يساهم أحيانا في شرعنة هذا الفعل، حين يصبح الناس أسرى منصة الإعدام المعنوي، يتهافتون على الأخبار المثيرة دون تحقق، وينقلونها باندفاع لا يعترف بقرينة البراءة. هنا، تتحول الضحية إلى مدان بمجرد الاشتباه، وتنسف سمعته بضغطة زر، قبل أن يقول كلمته أو ينصفه القضاء.

التأثير الاجتماعي للتشهير بالغ الخطورة. علاقات تتفكك، ثقة تهدم، فرص تضيع، ودوائر من العزلة تفرض قسرا. أما التأثير النفسي، فهو الأشد فتكا. فكم من ضحايا عاشوا اكتئابا حادا، أو انسحبوا من محيطهم، أو انهارت حياتهم المهنية بسبب حملة تشهير قادها مجهول أو حاقد؟ بل إن بعضهم فقد حياته تحت وطأة الفضيحة المفتعلة، في صمت رهيب لا يسمعه سوى أقرب المقربين.

التشهير في العصر الرقمي أصبح جريمة العصر بحق. إنه سلوك لا يليق بمجتمع يدعي المدنية والعدالة. وإن السكوت عنه، أو تبريره، يكرس شريعة الغاب. قد نختلف في الآراء، لكن لا ينبغي أن نختلف في احترام كرامة الناس. الكلمة مسؤولية، والصورة مسؤولية، والمشاركة مسؤولية. وإن صيانة الحق في التعبير لا تعني اغتيال الآخرين معنويا. كفى تشهيرا. فالكلمة تجرح، والكرامة لا ترمم بسهولة.