آخر الأحداث

قبل أن يجف حبر الامتحان…كاميرات البوز تتربص بالتلاميذ!!

هيئة التحرير30 مايو 2025370 مشاهدة
قبل أن يجف حبر الامتحان…كاميرات البوز تتربص بالتلاميذ!!

عادل بن الحبيب

الجمعة 30 ماي 2025 – 19:01

مع كل موسم امتحانات، تتكرر مشاهد التلاميذ الخارجين من قاعات الاختبار، تتلقفهم الكاميرات والميكروفونات في لحظات توتر وانفعال، بينما تعرض تصريحاتهم لاحقا على صفحات التواصل، في مشاهد لا تخلو من طرافة، لكنها تكشف الكثير من الخلل في الطريقة التي يتم بها التعامل مع التلميذ واللحظة التربوية ذاتها.

هذه الحوارات، التي تحولت إلى تقليد إعلامي غير رسمي، تثير تساؤلات مشروعة: ما الجدوى منها؟ من يختار هؤلاء التلاميذ؟ ولماذا؟ وماذا نربح فعليا من عرض لحظات الانفعال تلك على الشاشات؟

تحويل لحظة الخروج من الامتحان إلى مادة للعرض الساخر يفرغها من معناها، ويختزل التلميذ من فاعل تربوي في طور التكوين إلى “شخصية طريفة” تستغل لنيل التفاعل الرقمي. هذا النهج لا يسيء فقط إلى صورة التلميذ، بل يكرس تصورا سطحيا عن المدرسة، وكأن الغاية من التعليم هو اجتياز الامتحان، لا تجاوزه بفهم ونقد وتأمل.

الأخطر أن هذه المشاهد تشرعن، ولو بشكل غير مباشر، ثقافة الغش، وتقدمها في قالب “ذكاء شعبي” يضحك الجمهور، لكنه يفسد القيم التربوية، ويغذي خطابا عدميا تجاه المدرسة والمدرس.

وهنا نطرح سؤالا أخلاقيا وإعلاميا في الآن نفسه: هل الهدف من هذه التغطيات نقل نبض الشارع التلاميذي فعلا؟ أم تسويق التفاهة باسم العفوية؟ وهل يجوز الاستمرار في التعامل مع التلميذ كمصدر للإثارة الإعلامية بدل أن يكون شريكا في النقاش التربوي؟

في المقابل، لا يمكن إنكار وجود منابر إعلامية تحترم ذكاء المتلقي والتلميذ على السواء، وتحسن اختيار المتدخلين، وتطرح أسئلة تحفز التفكير النقدي وتسائل المنظومة التعليمية بشكل جاد. بعض هذه المنابر تسلط الضوء بشكل مهني على أجواء الامتحانات، وتكشف التحديات التي يواجهها التلاميذ، دون الوقوع في التهويل أو السخرية.

هذه المبادرات، وإن كانت أقل حضورا، تثبت أن الإعلام يمكن أن يكون فاعلا تربويا وشريكا في البناء لا الهدم. لكن المؤسف أن الغالب هو منطق “البوز”، والبحث عن اللقطة المربحة رقميا، ولو على حساب مشاعر التلاميذ وصورة المدرسة. المدرسة ليست مسرحا للفرجة، والتلميذ ليس مادة للاستهلاك الرقمي.

حان الوقت لأن نكف عن اختزال لحظة الامتحان في ردود أفعال عشوائية، وأن نعيد الاعتبار لصوت التلميذ كعنصر واع، لا كمجرد أداة ترفيهية. فهذه اللحظة ليست مناسبة للاستهلاك الإعلامي السريع، بل هي لحظة توتر نفسي وتربوي تتطلب الهدوء لا الاستفزاز، الفهم لا الاستغلال.

إن مسؤولية الإعلام لا تقتصر على نقل الحدث، بل تتعداه إلى تقديمه في سياق يحترم رمزية المدرسة وقدسية المعرفة، ويربي الذوق العام بدل أن يسهم في تعميق الرداءة. فالتربية والتعليم لا يجب أن يكونا ساحة للإثارة، بل ورشة مستمرة لصناعة المستقبل.