محسن الأكرمين.
الثلاثاء 03 يونيو 2025 – 23:00
مرات عديدة نعشق العيش بكل أريحية في المنطقة المفتوحة (الأبواب المفتوحة)، وذلك من خلال استعراض كل إمكانياتنا الذاتية والخارجية، والكشف عن كل الأوراق بلا مواربة ولا خوف من ردود أفعال. في المنطقة المفتوحة نحس بالشفافية والطمأنينة والأمن، نحس أننا نعشق ذواتنا بالمكاشفة والبيان والتبيين (للجاحظ). كثيرة هي المرات، التي نجد فيها أنفسنا محاصرين بأسئلة تكبلنا وتجعل منا رهائن لمزيد من الكشف عن حياتنا بالتعري والفضح، وركوب موجة (هذه حياتي ندير بها لي بغيت) وما أسوأ الاختيار الفوضوي.
وبعدها عند رفضنا مسايرة المكاشفة الفاضحة، و نفض أغبرة حياتنا الخفية والبينة، نسقط في المنطقة المخفية بستائر سيدنا سليمان، والتي تتلون بألوان الظل الرمادية القاتمة، فلا هي مثيرة للإقتحام القسري، ولا هي مُغرية بملونات الحياة الفاتنة. منطقة تجعلنا نتلون مثل الحرباء في فصول السنة بالسعادة، ونرتدي القبعات والقناعات المتنوعة منها المخيفة والمسالمة، حيث نخفي ما نعرفه عن ذواتنا بالأنانية والسرية، ونسوغ قانون (حمو رابي) الوضعي والذي يوازي في العقاب بين الذات والآخر بنفس شكل التعدي والظلم.
من عاداتنا التي تماثل نزعة النحلة الشغالة غير الملكة، والتي تتنقل بين زهرة ووردة بدون سبب غير البحث عن نفس الرحيق والذي بقي متواجدا في الزهرة ذاتها وفي الوردة نفسها. ننتقل إلى المنطقة العمياء حماية وأمانا، والتي تحمل نوعا من الغباء الطوعي والبلاهة التي لا توازي الفطنة وحاضنات الذكاء الفطري أو الصناعي منه. منطقة عمياء لا نور فيها ولا ألوان غير حلم بالأسود والأبيض، وتحقيق رغبة مستحيلة في النصب والتشوير.
منطقة عمياء، نجد فيها أنفسنا داخل سياج من الحدود الشائكة، وسجن طوعي/ اختياري بلا تلك العقوبات البديلة الحديثة. مرات نعشق هذه المنطقة العمياء مثل (سي ضو) كفيف كان من حي الزيتون (رحمه الله) والذي كان يعرفنا من خلال أصواتنا بنباهة ذاكرة. منطقة عمياء نسجن فيها كل الصفات (الكريهة) والتي لا تحمل الموازنة ولا المواءمة مع أخلاقيات المجتمع العليا، ففي فك الحصار عن تلك الصفات نكون قد أحدثنا ثورة من الفوضى العارمة والخلاقة في ذواتنا، وعند مشارف دوائر علاقاتنا الاجتماعية الوسيطية.
و من سوء الاختيارات حين نتقمص بالحذر المنطقة المجهولة (وهي المنطقة الغائرة)، ونجعل منها ذاك المشجب الذي نخفي فيه مآسينا وأوجاعنا بتمامها. وهو فعل ارتدادي للجزء الباطني من النفس التي لا تأبى الخروج والمراهنة على الانزياح بالمنحدر القاتل، المنطقة الغائرة تقتل بلا رحمة، مثل السمك الذي يموت حتما عند خروجه من الماء. المنطقة المجهولة، هي المنطقة المنزوعة السلاح بقرار أممي ذاتي، تلامس قوانا الروحية والنفسية، ولكن تبقى الأكثر غموض ولا يراها أحد غير (الله يرانا) وصدق النص القرائي للمرحوم أحمد بوكماخ.