آخر الأحداث

الذكريات التي تأتي ولا تؤدي…

هيئة التحرير9 يونيو 20253 مشاهدة
الذكريات التي تأتي ولا تؤدي…

محسن الأكرمين.

الاثنين 09 يونيو 2025 – 22:01

كثير منَّا يَحضرُ عنده مرات عديدة سؤال: كيف يمكن التحرر من حيثيات أحداث الماضي المبعثرة، والمتراكمة على هامة الذات؟ كيف يمكن القفز عن العقبات المزمنة، وتلك التعلقات النفسية القهرية؟ هنا تكون الأجوبة متناقضة نحو امتلاك مُحفزات التخفيف من ردة الفعل، والتنقيص من التوتر، والزيادة في الوعي البيني، وهذا كله لن يستقيم إلا عبر تقنية حديثة من التسليم والتصديق والثقة في المستقبل، ومعرفة القيود الكابحة، والسماح لها من برحيل التحرر(الثاني) مما علق في المشاعر النفسية السلبية.
ما نوعية المشكلات الضاغطة بالتكرار؟ قد تتنوع مشكلاتنا بالاختلاف والتوزيع والحدة، لكنها في نفس الوقت تبقى مشكلات تتعلق بالذات وبالآخر، أو بفواصل وتعلقات المحيط. من زينة الحياة بالفرحة المفبركة، حين نقدر على تفكيك مشكلة ما بالحلول الإجرائية، حينها نعيش قد فسحة من الأمل، وشعور براحة يقصر بريقها أو قد يطول، لكن تبقى جميع المشاكل تجارب (إكلينيكية) لا تنتهي، بانتهاء المشكلة الأولى، بل قد تخرج الثانية للوجود وتتطلب حتى هي حلولا أخرى أكثر دقة.
أين نجد الأجوبة الشافية من الألم والمواجع بالإحاطة والتصويب؟ هي ثرثرة العقل لن تجدينا نفعا مهما أينعت. هي ثرثرة من علماء وخبراء نفس واجتماع كثيرة، ولن تكون الحد الفصل من كسب رهانات السعادة وجودة الحياة. حينها قد تكون حلول الخبراء وغيرهم طوباوية ولن ينفعها التعميم المفرط في التنميط (الجغرافي)، وقد تستند وقوفا نحو التعويم، بينما الحل الأمثل يتمكن في إيجاد مسالك قارة وآمنة للسعادة، وبلا متممات هامشية، أي بتواجد مقاربة صريحة تنفض كل المشكلات مهما كانت بالحلول، وتتسم بالعدالة الاجتماعية، والكرامة، والواقعية، والثقة في فن صناعة المستقبل.
لماذا لا نقدر على حُسن امتلاك آليات السعادة، وتجويد أنماط الحياة الفردية والجماعية؟ إن ساعات الانكسارات هي التي تتكلم علانية، بينما تبقى دقائق السعادة المعدودة في الزمن والمكان تستر وراء الشكوى المبحوحة وراء اللثام (المرابطي)، وتتموج بين الشد على لحظات ثوان من البهجة، والارتماء في أحضان المشاكل غير المنتهية بالتمام. فالتحرر الجزئي، لن يتم بحمل سلاح الغضب علانية، والثورة على الذات والآخر، وبهذا الفعل التهوري قد تحدث الفوضى ويتم الانتقام المزدوج بالانعكاس.
كيف يمكن التحرر الجزئي من الألم والوجع؟ لن يتم الأمر بالفتنة، ولا برؤية الحلول التنظيرية المعيارية بنهاية (أحبك وجعي). ولكن، نقول أن الأمر: لا يستقيم البتة مع واقع الحال (المستفز)، وتلك الوضعيات المشكلة الممتدة برحم توالد المصفوفة (Matrix)، وكذا المخصية بالنهايات الحتمية (اللاعقلانية). فالألم، يعيش فينا بمتلازمة (ادفع)، ولن ينتهي بالتلقيح الاصطناعي، ولا بالمسكنات المبنجة وأخذ المنشطات، بل قد ينتهي حتميا بالموت، والذي حتى هو (الموت) ينتقم منه، ويجعل له نهاية.
إن البحث عن حلول للمعاناة الفردية والجماعية، يجعل من الجميع يتحدث عن حلول آتية من الأمل، والعيش في إنتاج الأحلام، وبالعمل على إنهاء تكسير مرايا الماضي الضاغطة بآهاتها المتدنية، بل تبقى الحلول من بديهيات نظرية المعرفة (الإبستمولوجيا)، حيث لا يتواجد هنالك مستطيل متحرك الأشكال يحتوي على إجابات معرفية مطلقة وتامة ونهائية.
فمن المستحيل أن نُسقط ذكريات الحياة الماضية من سلة الأعمار المتراكمة بالكم، ومن الصعب إنشاء وضعية الانقلاب (قلب الطاولة على المشاكل الكلية)، وفسخ عقود مناورات الذاكرة المتفحمة، والتي توثق لكل أحداث الماضي. لكن من وسائل التحرر الأنيقة، الفصل بين وضعيات أرشيف نفس الماضي، وكسب حلول منطقية عند كل من كان سببا في تدميل الألم والمواجع، كل من كانت له علاقة بالمآسي التي يمكن عيشها في الحاضر، ولما لا حتى المستقبل.
هنا قد يصبح إنتاج حلم المستقبل الغائر من أولويات التحقيق، ونحن جميعا نبحث عن الواقع الجيد لتحقيق سعادة حلم حياة، وبلا منغصات أفسدت الماضي، وقد تفسد الحاضر والمستقبل. إنه وجه أنيق من التحرر، وخيارات من تعلم حسن الاختيارات ومعاودة كرة النهوض وقوفا، والتي تتأصل على أفكار (ما بعد الحداثة)، بالموازاة السليمة مع ثوابت الماضي، وتفجير ألغام منافذ الآلام.