آخر الأحداث

فاس تحتضن المؤتمر العالمي للتصوف 2025 في دورته الخامسة

هيئة التحرير6 أغسطس 20250 مشاهدة
فاس تحتضن المؤتمر العالمي للتصوف 2025 في دورته الخامسة

صدى المغرب – فاس

الأربعاء 06 غشت 2025 – 15:48

تحت شعار “منهج التزكية: بناء للإنسان وحماية للأوطان”،تُعَدُّ الصوفية أهم ركائز “التديُّن المغربي” الذي يدرِّس فقه مالك، وعقيدة الأشعري ثم تصوُّف الجنيد، فهي ليست مجرد زي أو حلة، بل هي منهج حياة قائم على مراقبة الفرد لمولاه “إن لم تكن تراه فهو يراك”، منهج وحّد كلمة المغاربة وجمع صفّهم، ولمّ شتاتهم عبر العصور، فتميّزوا بوحدة العقيدة، والمذهب، والسلوك وقد حظيت على مدى السنين بالعناية والرعاية التامتين من السلاطين العلويين الذين تعاقبوا على حكم المملكة المغربية الشريفة وإدارة أمورها، لاسيما في عهد سيدنا أمير المؤمنين مولانا محمد السادس نصره الله وأيده الذي أمد التصوف بالاهتمام الكبير ورسخ دوره، كثابت من ثوابت الهوية المغربية في الإصلاح، وتربية النفوس وتزكيتها، وتحقيق الأمن الروحي لسالكي طريقه، والمتمسكين به منهجا تربويا سلوكيا، ولذا دعم جلالته المؤسسات الصوفية سواء بمشاركته في المناسبات الصوفية أو رعايتها.
التصوف المغربي تاريخ عريق ونور امتد للمشرق بل تجاوزه للغرب، وهو مشكاة تنير طريق المسلم، فهو تصوف أخلاق لا إشراق فقط، تصوف لا يقتصر على العلم والبحث الديني وإنما يذهب إلى البعد الواقعي والسلوكي.
ولهذا فإن هذا المذهب الروحي لا يكتفي بحضور ديني وعقائدي فقط، بل يمارس دوره كأداة اجتماعية وسياسية ودبلوماسية يضبط بها المغرب “أمنه الروحي” داخليا، ويستعملها كوسيلة يدافع بها عن مصالحه الخارجية وبالتالي، فإن التصوف المغربي لا ينس نصيبه من بناء الأوطان والذي يرتكز على بناء الإنسان الذي تقع على عاتقه أمانة هذا الوجود، وهو المتحمل تكليفا وتشريفا لمسؤولية عمارة الأرض، وخلافة الله سبحانه وتعالى في عالم الشهادة ليكون مصدر رحمة وشفقة وحياة.
ولكن الواقع هو أن معظم مشكلات العالم اليوم إنما منبعها الإنسان نفسه، فقد صار هذا الإنسان نقمة على نفسه، وعلى أسرته، وعلى وطنه، وعلى محيطه الحيوي، عوض أن يكون مصدر رحمة ونفع في الكون وفق الناموس الإلهي الذي سطره الله لعباده مسترشدا في ذلك بالنموذج النبوية.
إن هذا الإنسان لا يحقق الغاية من وجوده إلا إذا كان مبنيا على أساس قوي، ولن يتأتى هذا البناء إلا إذا تربى على أخلاق أهل الإحسان العارفين بالله تعالى الذين بلغوا أعلى المقامات والرتب في تزكية النفس، من خلال استمدادهم من الصفات الخلقية الظاهرية والباطنية لسيدنا رسول الله ﷺ المثال الأسمى للنموذج الإنساني الكامل” وإنك لعلى خلق عظيم”.
لذلك اختار المنظمون للدورة الخامسة للمؤتمر العالمي للتصوف لسنة 2025، شعارا مواكبا للتحديات التي نعيشها في الوقت الراهن ألا وهو “منهج التزكية: بناء للإنسان وحماية للأوطان”.، استنادا الى حرص أهل التصوف على تحقيق هذا العمران الرباني من خلال تركيزهم على منهج التزكية، والتي يقصد بها إعادة ترميم الإنسان داخليا ليكون صالحا لتلقي المعرفة الإلهية أولا، ومحققا للتناغم الكوني الذي أبدعه الخالق سبحانه وتعالى فأحسن إبداعه ثانيا.
فمنهج الإسلام إصلاحي مقاصدي يراعي دفع المفاسد وجلب المصالح، وهو ما يحث عليه التصوف في بعده التربوي والتزكوي، وبما يدعو له من اعتدال وتوازن، لا إفراط ولا تفريط، حيث يحتاج الإنسان إلى المخزون الفكري والفقهي والعلمي، كما يحتاج في الآن نفسه إلى المخزون الروحي الذي يشحذ العزائم، ويهذب الشخصية، ويقوم السلوك والفعل.
ولعل أهم مرتكز يستند عليه الصوفية في بناء هذا الإنسان هو تطهير العقل والقلب وتهذيب النفس من صفاتها الظلمانية كالاستكبار والعلو، والحقد والضغينة، والحسد والجشع.. حتى تصير طيبة مطمئنة سالمة مسالمة.. فالإنسان بناء مركب من روح وجسد وعقل وقلب ونفس..

وأهم ما يقاس به الإنسان الفرد، والجماعة الإنسانية في مساعيها الحضارية، هو روحانيتها وتنويرها الروحي.. ومن ثمة كان للتصوف دور مهم في الوقاية ضد الأفكار المنحرفة والمظاهر الزائفة.. فهو يغرس في قلوب الناس البعد التربوي والجمالي بغية استيعاب وفهم الأمور بدون تطرف أو عنف أو تشدد أسوة برسول الله ﷺ الذي أرسل رحمة للعالمين.

إن واقعنا المعاصر في حاجة إلى هذا المنهج الذي يلبي حاجات الأجيال فكريا وتربويا حتى تجد فيه المنهل العذب، والمورد الصافي فكرا وروحا، وبذلك تنطلق مسيرة التحصين لشباب اليوم من مغريات تجذبهم إلى الغلو والتشدد، ومن ردود الفعل غير محسوبة العواقب التي تظهر من خلال السلوك المتطرف والإرهابي، أو تجذبهم إلى التفريط والاستهتار بالقيم، والانحدار إلى مستويات غير مقبولة من الانحراف السلوكي أو الميوعة الأخلاقية.
إننا اليوم كأمة، بحاجة إلى وثبة إيمانية روحية تعيد التوازن المفقود بين القول والعمل والروح والبدن، وتفتح قلب الإنسان على آفاق الروح وأنوارها، وتبعث قوتها الكشفية والذوقية بغية اكتمال صفة الإنسان. وهذه الوثبة الروحية لا تتم إلا في إطار تربوي أخلاقي يضمن الحصانة والوقاية من كل زيغ وانحراف، ويشكل بنية تحتية أخلاقية تصلح أساسا للبناء الاجتماعي المتماسك، فتكتمل بذلك أهم شروط الأمن الروحي الذي لا مناص منه لتحقيق الأمن الحضاري..

ويشارك في الدورة الخامسة للمؤتمر العالمي للتصوف فضلا عن الهيئة المنظمة “المركز الأكاديمي الدولي للدراسات الصوفية والجمالية” ومقرها المملكة المغربية، ممثلة في رئيسها فضيلة الشيخ الدكتور عزيز الكبيطي الإدريسي الحسني، ومن المغرب كذلك الدكتورة حكيمة الحجار، الدكتور عبد الله بوصوف كما تشارك في هذا الحدث الدولي البارز شخصيات وازنة ومشايخ من مختلف القارات، فمن افريقيا نجد عدة مشاركات متميزة من بينها، الشيخ قريب الله القادري من نيجيريا ومن نجيريا كذلك الدكتورعبد الرحمان عبد الحكيم والدكتورعبد الهادي أحمد عبد الكريم من تشاد، ومن ايثيوبيا الدكتور نور الدين أمان، الدكتور محمد الف سيسه من السينغال ومن السودان الدكتور عمار ميرغني حسين محمد ومن ليبيا، الشيخ محمد الشحومي والدكتور محمد حلمي عبد الوهاب من مصر ويشارك من الأردن، الشيخ عون معين القدومي والشيخ رياض بازو من لبنان ومن لبنان كذلك الشيخ محمد المغربي ومن عمان تشارك الدكتورة فريدة بن زايد بوتمجت..

ويشارك عن مؤسسة “Prophetic Path”. البريطانية، الشيخ أحمد الدباغ، ومن الولايات المتحدة الشيخ عزيز عابدين، ومن تركيا الدكتور، ملا يونس أمره آيدن ومن باكستان، الشيخ محمد مطيع الله النهركاريزي،كما يحضر أيضا ضيوف من العراق وبنغلاديش واندنوسيا وكذلك المغرب، البلد المنظم.