عادل بن الحبيب
الثلاثاء 09 دجنبر 2025 – 15:30
أثار المقال الذي نشرته صحيفة” الفرنسية “le monde” تحت عنوان “في المغرب كرة القدم لعبة دبلوماسية أيضا” حول اعتبار المغرب لكرة القدم أداة دبلوماسية أكثر من كونها نشاطا رياضيا نقاشا مهما حول موقع الرياضة في المشروع التنموي الوطني. فالإشارة إلى المغرب في صحيفة دولية بهذا الحجم ليست مجرد ملاحظة عابرة، بل تعكس تحولا واضحا في الصورة التي يقدمها البلد لنفسه على الساحة الدولية، حيث لم تعد الرياضة نشاطا ترفيهيا، بل جزء من منظومة نفوذ ناعم يوظفها المغرب لتعزيز حضوره ومكانته.
في السنوات الأخيرة، أصبح حضور المغرب الرياضي عالميا يلفت الأنظار،من الأداء التاريخي في كأس العالم 2022، إلى تتويج المنتخب الوطني للشباب بكأس العالم، وصولا إلى الاستعدادات الواسعة لاحتضان مونديال 2030. هذه النجاحات ليست مجرد محطات رياضية فقط، بل رسائل سياسية تظهر صورة بلد مستقر قادر على التنظيم، يمتلك بنية تحتية متطورة، ويستثمر في قطاع يكتسب اليوم أهمية متزايدة في العلاقات الدولية.
غير أن هذا المسار لا يخلو من نقاش داخلي، حيث يرى البعض أن الاستثمار في الملاعب والبنيات الرياضية يأتي على حساب قطاعات يعتبرونها أولويات أكبر .كما يعتبرون انه رغم المكاسب المتوقعة من تنظيم البطولات الرياضية الكبرى تظل هناك تحديات اقتصادية حقيقية تتعلق بمدى استدامة الاستثمارات الضخمة المصاحبة لها. فالملاعب والبنية التحتية التي ستشيد أو تحدث لها توسعات قد تواجه صعوبات في الاستغلال بعد انتهاء البطولات، خاصة في ظل التجارب الدولية التي أظهرت أعباء صيانة ثقيلة بعد الحدث. كما أن النشاط السياحي والأنشطة المرتبطة به قد تكون مؤقتة، إذ لا تعكس بالضرورة نمطا اقتصاديا ثابتا أو مستداما.
هذا الرأي، وإن كان يعكس حرصا مشروعا على توجيه الموارد، يحتاج إلى قراءة أوسع تأخذ بعين الاعتبار تطور مفهوم التنمية في العالم. فالرياضة لم تعد قطاعا ثانويا، بل أصبحت محركا اقتصاديا وسياحيا واجتماعيا، وجزء من أولويات الدول في تقديم نفسها للخارج.
إن الاستثمار في البنيات الرياضية، أو في تنظيم تظاهرات كبرى، لا يقتصر على بناء ملاعب أو استقبال جماهير، بل يمتد إلى خلق دينامية اقتصادية تشمل السياحة والخدمات والنقل والإعلام، وتفتح فرصا جديدة للشباب، وتساهم في تطوير المدن والبنيات التحتية التي تستفيد منها قطاعات أخرى أيضا. كما أن استضافة حدث بحجم كأس العالم، أو تنظيم مسابقات قارية ودولية، يوفر للدولة ملايين من ساعات البث العالمي التي تعيد تقديم المغرب كوجهة سياحية واقتصادية وثقافية.
إضافة إلى ذلك، أصبح للرياضة دور دبلوماسي حقيقي لا يمكن انكاره . فالتعاون بين المغرب وبلدان إفريقية في مجالات التكوين الرياضي والبنيات التحتية يعكس نوعا جديدا من العلاقات يقوم على الشراكة والتبادل بدل الخطابات التقليدية. أما التنسيق مع دول أوروبية في ملف كأس العالم فيظهر قدرة المغرب على إدارة قضايا مشتركة على أعلى مستوى، ما يعزز رصيده السياسي لدى شركائه الدوليين.
هذا الوعي بالدور المتنامي للرياضة في الدبلوماسية الدولية يفسر إصرار الدولة على بناء رؤية طويلة المدى تستثمر في البنية التحتية، و يفسر أيضا العناية المولوية الخاصة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي يعتبر الرياضة وسيلة لتطوير الطاقات الشبابية وتعزيز القيم الوطنية وبناء صورة المغرب كدولة عصرية وفاعلة على الساحة الدولية.
إن النقاش حول الاستثمار في الرياضة سيظل قائما، وهو نقاش صحي وضروري، لكنه يصبح أكثر عمقا حين ندرك أن الرياضة ليست بديلا عن التنمية الاقتصادية أو الاجتماعية، بل جزء منها. وأن المغرب، من خلال مقاربته الحالية، لا ينظر إلى الرياضة كتكلفة، بل كرافعة، وكقوة ناعمة تكمل الجهد التنموي وتمنح البلاد موقعا أكثر تأثيرا في محيطه الإقليمي والدولي.




