يعد الماء النقي عازلًا شبه مثالي. صحيح أن الماء الموجود في الطبيعة يوصل الكهرباء، ولكن ذلك بسبب الشوائب الموجودة فيه، والتي تنحل في أيونات حرة تسمح للتيار الكهربائي بالتدفق.
تصبح المياه النقية «معدنية» -بمعنى موصلة إلكترونيًا- فقط عند تعرضها لضغوط عالية للغاية، تتجاوز قدراتنا الحالية على إنتاجها في المختبر.
ولكن كما أثبت العلماء الآن ولأول مرة، ليست الضغوط العالية هي الوحيدة القادرة على تحفيز هذه الخاصية المعدنية في الماء النقي، إذ يمكن جعل الماء النقي معدنيًّا بإضافة معدن قلوي واهب للإلكترونات مثل سبيكة صوديوم-بوتاسيوم، فتنتقل الجزيئات المشحونة الحرة وتصيّر الماء معدنيًا.
تستمر الموصلية الناتجة بضع ثوان فقط، لكنها خطوة مهمة نحو قابلية فهم هذا الطور من الماء بدراسته مباشرةً.
قال الفيزيائي روبرت سيدل من مركز هيلمهولتز- زينتروم برلين للمواد والطاقة في ألمانيا «يمكنك أن ترى مرحلة انتقال الماء إلى ماء معدني بالعين المجردة، إذ تغطي قطيرة الصوديوم والبوتاسيوم الفضية نفسها بوهج ذهبي، وهو أمر مثير للإعجاب».
نظريًا يمكن لأي مادة أن تصبح موصلة كهربائيًا عند تعرضها لضغط عالٍ كفاية. الفكرة أن ضغط الذرات معًا بقوة كافية، يجعل مدارات الإلكترونات الخارجية تتداخل، سامحة لها بالتحرك بحرية. يبلغ هذا الضغط للماء نحو 48 ميغابار أي أقل بقليل من 48 مليون ضعف الضغط الجوي الأرضي عند مستوى سطح البحر.
على الرغم من أن ضغوطًا تتجاوز هذا تم إنتاجها في ظروف مخبرية، لكن هكذا تجارب غير مناسبة لدراسة المياه المعدنية. لذلك اتجه فريق من الباحثين بقيادة الكيميائي العضوي بافيل جونغفيرث من الأكاديمية التشيكية للعلوم في تشيك إلى المعادن القلوية.
تطلق هذه المواد إلكتروناتها الخارجية بسهولة شديدة، ما يعني أنها يمكن أن تحفز خصائص مشاركة الإلكترون للماء النقي تحت الضغط العالي دون الحاجة إلى ضغوط مرتفعة. ولكن توجد هنا مشكلة واحدة فقط، هي أن المعادن القلوية شديدة التفاعل مع الماء السائل، وتصل أحيانًا إلى حد الانفجار. فقط أسقطْ المعدن في الماء وستحصل على انفجار. وجد فريق البحث طريقة ذكية لحل هذه المشكلة: ماذا لو أُضيف الماء إلى المعدن بدلًا من إضافة المعدن إلى الماء؟
بدأ فريق البحث بسكب كتلة صغيرة من سبيكة الصوديوم والبوتاسيوم من فوهة إلى حجرة مفرغة، والسبيكة سائلة في درجة حرارة الغرفة، ثم أضافوا بعناية شديدة طبقة رقيقة من الماء النقي عبر تكثيف البخار.
عند التلامس، تدفقت الإلكترونات والكاتيونات المعدنية «الأيونات الموجبة الشحنة» من السبيكة إلى الماء. لم يمنح هذا للماء بريقًا ذهبيًا فحسب، بل حول الماء أيضًا إلى موصل كهربائي، تمامًا كما سنرى في الماء النقي المعدني إن عرضناه لضغط شديد.
أُكد ذلك باستخدام منظار التحليل الطيفي للانعكاس البصري ومنظار التحليل الطيفي للأشعة السينية الإلكتروضوئية في المسرع الدوراني التزامني. إذ احتلت الخاصيتان -اللمعان الذهبي ونطاق التوصيل- نطاقيّ تردد مختلفين، مما سمح بتحديد كليهما بوضوح.
بالإضافة إلى إعطائنا فهمًا أفضل لهذه المرحلة الانتقالية هنا على الأرض، يمكن أن يسمح البحث أيضًا بإجراء دراسة عن كثب لظروف الضغط المرتفع الشديدة داخل الكواكب الكبيرة. على سبيل المثال، في الكواكب الجليدية للنظام الشمسي مثل نبتون وأورانوس، كان يعتقد أن الهيدروجين السائل المعدني يدور في غلافها. ويعتقد أن كوكب المشتري هو الوحيد الذي فيه ضغوط عالية بما يكفي لتحويل المياة النقية إلى معدن.
إن إمكانية استنساخ هذه الظروف داخل الكواكب العملاقة لنظامنا الشمسي أمر مثير بالفعل. وقال سيدل «دراستنا لا تظهر أنه يمكن بالفعل إنتاج المياه المعدنية على الأرض وحسب، ولكنها تميز أيضًا الخصائص الطيفية المرتبطة ببريقها المعدني الذهبي الجميل».