صدى المغرب – سعدة ايت اوعتاني
الجمعة 29 يوليوز 2022 – 18:23
منذ تولي الملك محمد السادس الحكم سنة 1999 حظيت قضية الصحراء المغربية بمركز جوهري ضمن السياسة العامة للدولة المغربية، فقد جعل العاهل المغربي الشاب من ملف الصحراء القضية الوطنية الأولى، حيث عرف هذا الملف مجموعة من التطورات الكبرى التي شكلت صدمة لأعداء الوحدة الترابية للمملكة المغربية.
تميزت الدبلوماسية الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، منذ توليه زمام الأمور بالحنكة والحكمة في التعامل مع ملف الصحراء، حيث عملت على تحقيق الحضور المغربي الفعلي على المستوى القاري، من خلال استراتيجية تعاون جنوب- جنوب التي نهجها المغرب معززا عمقه الإفريقي، ومعربا عن رغبته في النهوض بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للدول الإفريقية، مع مساعدتها حتى في المجال الأمني والحفاظ على استقرارها السياسي، كل هذا في إطار سياسية رابح- رابح التي كان يعرف الملك محمد السادس مدى خدمتها لقضية الصحراء المغربية، عبر خلقها لعلاقات متينة مع الكثير من الدول الإفريقية ودول أخرى.
وعلى هذا الأساس تميزت الدبلوماسية الملكية المغربية في عهد الملك الشاب محمد السادس، بجعل ملف الصحراء المغربية أولى أولويات السياسة العامة للدولة، حيث عبر المغرب على أن الحل السياسي الوحيد والأوحد للصحراء المغربية، يتمثل في المبادرة التي قام بها وهي مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، وقد جاءت هذه المبادرة رغبة من المغرب في إنهاء مشكلة الصحراء المغربية، عبر نظام الحكم الذاتي أو الجهوية الموسعة القائمة على الإستقلال الإداري والمالي وحتى السياسي، لكن في إطار السيادة الكاملة للمملكة المغربية.
مساهمة مبادرة الحكم الذاتي في حل نزاع الصحراء المغربية.
شكلت مبادرة الحكم الذاتي المغربية المعروضة سنة 2007، مبادرة خلاقة وديمقراطية جاءت كاستجابة لدعوات مجلس الأمن للأطراف ودول المنطقة إلى مواصلة تعاونها التام مع الأمم المتحدة لوضع مخرج نهائي لملف الصحراء.
وساهمت المبادرة المغربية المتمثلة في الحكم الذاتي، في وضع الخطوط العريضة الأولية لانتصار المغرب على أعداء الوحدة الترابية، فهي مبادرة تعزز سيادة المغرب على أقاليمه الصحراوية، كما أنها في الآن نفسه تعزز ديمقراطية المغرب في التعامل مع هذا الملف المفتعل، بالإضافة إلى كونها تثبت عزم المغرب على إيجاد حل ديمقراطي وقانوني وسلمي عكس أعداء الوحدة الترابية للمملكة، الذين يهدفون فقط إلى استنزاف جهود المغرب ومحاولة عرقلة مسار التنمية المستدامة الذي أطلقه العاهل المغربي والذي أطلق عليه اسم “ملك الفقراء”.
وفي نفس السياق ،تميزت المبادرة المغربية للحكم الذاتي بتوجيه المغرب نداء لباقي الأطراف لكي تنتهز لفرصة من أجل طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة في تاريخ المنطقة، كما عبر عن استعداده للانخراط في مفاوضات جدية وبناءة انطلاقا من هذه المبادرة، كل هذه الخطوات المنبثقة عن مبادرة الحكم الذاتي أثبتت للمنتظم الدولي عزم المغرب عن إيجاد حل واقعي وصادق ومشروع ديمقراطي للدفاع عن حقوقه المشروعة، عكس أطراف النزاع المفتعل وهم أعداء الوحدة الترابية للمملكة التقليديون، على رأسهم النظام الجزائري الإرهابي عدو الاستقرار والأمن بالمنطقة المغاربية، لاسيما أن مبادرة المغرب بالحكم الذاتي مشروع مستلهم من مقترحات الأمم المتحدة ذات الصلة، ومن الأحكام الدستورية المعمول بها في الدول القريبة من المغرب جغرافيا وثقافيا، كما أنه مشروع يقوم على ضوابط ومعايير معترف بها عالميا.
دور الدبلوماسية الملكية في عهد صاحب الجلالة محمد السادس في إقناع المنتظم الدولي بمغربية الصحراء.
لعبت الدبلوماسية الملكية في عهد صاحب الجلالة محمد السادس، دورا جوهريا ومحوريا وشكلت حجر الزاوية في إقناع المنتظم الدولي بمغربية الصحراء،حيث شهدت القضية الوطنية دينامية كبيرة في منذ سنة 2003 مرورا عبر سنة 2007، التي تقدم فيها المغرب بمشروع الحكم الذاتي.
هذه الدينامية التي سوف تتطور وتتعزز بشكل ملحوظ جدا منذ سنة 2011، إذ أن صدور الدستور الجديد الذي تبنى فيه المغرب استراتيجية تعاون جنوب- جنوب، الرامية إلى تطوير العلاقات الدبلوماسية مع الدول الإفريقية بمنطق رابح- رابح عبر تنمية العلاقات الاقتصادية والأمنية بينها وبين المملكة المغربية، قصد توجيه هذه الدول إلى الإقرار الرسمي بمغربية الصحراء، حيث ينص دستور 2011 في تصديره على “تقوية علاقات التعاون والتضامن مع الشعوب والبلدان الإفريقية، ولاسيما مع بلدان الساحل جنوب الصحراء والصحراء…تقوية التعاون جنوب جنوب”.
وبالفعل نجح المغرب بفضل دبلوماسية الملك الشاب القوي والحكيم، في اكتساح القارة الإفريقية اكتساحا أذهل أعداء الوحدة الترابية، حيث جعل المغرب “الأسد الإفريقي” يصبح دولة رائدة في القارة الإفريقية ،باختراقها الأسواق الإفريقية باستثمارات ضخمة وصادرات هائلة، ناهيك عن اتفاقيات ثنائية في مختلف مجالات التعاون العلمي والطبي والأمني في إطار سياسة رابح- رابح، كل هذه العوامل جعلت جل الدول الإفريقية تصبح موالية وداعمة للمملكة المغربية في كل قراراتها وسياساتها بما فيها قضية الصحراء المغربية.
وعززت دبلوماسية صاحب الجلالة الملك محمد السادس ،اكتساح المغرب للقارة الإفريقية من خلال قرار عودة المملكة المغربية لمؤسسة الاتحاد الإفريقي، حيث أكد العاهل المغربي أن توجه بلاده نحو إفريقيا يشكل منعطفا دبلوماسيا هاما في السياسة الخارجية المغربية، وثمرة تفكير عميق وبعيد المدى.
واقع ملف الصحراء بعد عقدين من دبلوماسية الملك محمد السادس.
إن الدينامية القوية التي عرفتها قضية الصحراء المغربية خلال عقدين من الزمن، بفضل التوجيهات الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، المتمثلة أساسا في مبادرة الحكم الذاتي 2007، وإستراتيجية تعاون جنوب- جنوب المسطرة في تصدير الوثيقة الدستورية لسنة 2011، ثم القرار الدبلوماسي التاريخي بعودة المملكة المغربية لمنظمة الاتحاد الإفريقي، أسفرت عن نتائج جد ملموسة سنة 2020 تجسدت في الإقرار الرسمي لمجموعة من الدول رسميا وقطعيا بمغربية الصحراء وبالسيادة الكاملة للمغرب على أقاليمه الصحراوية، عبر فتح قنصليات لها في صحراء المغرب تحديدا في مدينة العيون، وقد توجت هذه السلسلة من الإقرارات بإعتراف أمريكي وثق في السجل الفيدرالي بمرسوم رئاسي وقعه الرئيس السابق دونالد ترامب، فيما تم فتح قنصلية أمريكية كذلك في صحراء المغرب تحديدا في مدينة الداخلة خلال بداية عهد الرئيس الحالي جو بايدن، الذي أكد تثبت الولايات المتحدة الأمريكية بموقفها الرسمي الحاسم بمغربية الصحراء.
بل أكثر من ذلك تم حسم مسألة مغربية الصحراء باتفاقية ثلاثية تاريخية تم توقيعها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل والمملكة المغربية، تلتزم بموجبها هذه الدول حسب الإعلان المشترك على أن الولايات المتحدة الأمريكية ستشجع التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المغرب بما يشمل أقاليمه الصحراوية كذلك، وهو الأمر الذي حسم النقاش تماما في ملف الصحراء المغربية، بفضل حكمة جلالة الملك محمد السادس الذي نجح في استقطاب إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، للتحالف معه بشكل قوي أزعج أعداء الوحدة الترابية الذين لم يستوعبوا كيف أن المغرب بقيادة ملكه أصبح قوة إقليمية وفاعلة في الساحة الدولية.
المغرب الشريك العسكري لأمريكا، التي باتت تمارس شراكتها العسكرية مع المغرب في صحراءه ضمن برنامج مناورات الأسد الإفريقي، مما قطع الشك باليقين، وأوضح للعالم أن النزاع المفتعل قد انتهى وأن المغرب في صحراءه والصحراء في مغربها.
أما الجارة الاسبانية،فقد أعلنت بشكل حاسم وقاطع موقفها من قضية الصحراء المغربية ،حيث اعتبرت مقترح الحكم الذاتي في الصحراء أكثر الأسس جدية وواقعية ومصداقية لحل النزاع،وأكدت أن موقف دعم المقترح المغربي هو قضية دولة وأنه يسعى من خلال ذلك إلى تحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة، وهو موقف أثار حفيظة الجزائر، الداعمة لجبهة البوليساريو.
وكان التحول الإسباني المعلن بشأن قضية الصحراء لافت جداً، نظراً إلى أنها المرة الأولى التي تخرج فيها مدريد من المنطقة الرمادية، وتعلن علنا دعمها لموقف الرباط ولمقترحها للحكم الذاتي في الصحراء.
قرار مجلس الأمن الدولي والامم المتحدة المنتصر لقضية الصحراء المغربية.
ومن الملاحظ جيدا، أن مجلس الأمن الدولي في عهد الملك محمد السادس، قد انحاز بل انتصر لمغربية الصحراء، حيث يؤكد دائما على أهمية المبادرة المغربية كحل سياسي واقعي وملائم، ناهيك عن التنويه المستمر بالتزام المغرب بمنظومة حقوق الانسان والاتفاقيات ذات الصلة.
وقد تبين للجميع، كيف أن البوليساريو أبانت على أنها عصابة ومرتزقة خلال إيقافها لمعبر لكركرات بشكل غير قانوني ولا إنساني، مما دفع المغرب إلى التدخل عسكريا لإجلاء المرتزقة ، وإعادة فتح المعبر التجاري أمام القوافل التي كانت عالقة به، ما دفع الجبهة الوهمية إلى إصدار عدة بلاغات تتهم فيها مجلس الامن بالتماطل والانحياز للمغرب، مما يثبت بالملموس أن مجلس الامن الدولي فقد ثقته في عصابة الميليشيات، وتأكد له أن الصحراء مغربية وأن البوليساريو مجرد عصابة مسلحة هدفها التشويش على المغرب برعاية أطراف أجنبية على رأسها النظام العسكري الجزائري.
في حين تبين أن المغرب التزم تماما بالقانون الدولي وترك الملف معروضا أمام مجلس الامن الدولي والأمم المتحدة، وهو ما أسفر عن نيل المغرب للثقة الكاملة من لدن هاتين المنظمتين الدوليتين، للتصرف عسكريا مع الملف قصد تحرير معبر الكركرات من مرتزقة البوليساريو.
وكان المجتمع الدولي ،قد جدد دعمه الكامل لمغربية الصحراء ومخطط الحكم الذاتي باعتباره حلا واقعيا ونهائيا لهذا النزاع، كما أن تجديد مجلس الأمن الدولي، في القرار 2548 ،التأكيد على وجاهة الموقف المغربي وتكريس المعايير الأساسية للحل السياسي لهذا النزاع الإقليمي.
وأخيرا المغرب متشبث بالمنطق والحكمة، وملتزم بصدق بالتعاون مع الأمين العام للأمم المتحدة في إطار احترام قرارات مجلس الأمن الدولي، قصد الوصول إلى حل نهائي على أساس مبادرة الحكم الذاتي.