عاجل
كتاب وآراء

أطفالنا والسلوك العدواني

عزيز جلال باحث في علم النفس

الاربعاء 03 يناير 2024 – 15:30

هل يجوز الحديث عن الكائن البشري في منأى عن العدوان، أم أن العنف خاصية من خصائص الحياة الاجتماعية، والحياة النفسية أيضا، وهل يمكننا أن نحيط بشكل دقيق بماهية العنف، الأمرالذي يفرض علينا تحديدا صعب المنال لماهيته في ظل تشعباته في حقول دلالية لا محدودة،

الباحث في تعريفات العنف يجد أمامه تعريفات شتى تختلف باختلاف مقارباتها، لأن كل مقاربة رهينة إدراكات معينة وأساليب خاصة في تناول وتشخيص الدراسة، بينما العدوانية: هي مواقف تسعى بكل جدية للتأثيرعلى تكوين الرأي، وتشكيل السلوك الإنساني، يعمل الفرد بإمعان على كبتها ولا يسمح لها بالظهور إلا مقنعة أوعلى شكل رأي أو سلوك بطابع العنف، سيمته الأساسية القصدية، غالبا ما يرتبط السبب الكامن وراء العدوان بالتوتر أو الإحباط أو الشعور بالظلم لأن الرغبة في إيذاء الغير أو إتلاف ممتلكات أو أشياء بعينها، حاضرة وهي المحرك والدافع لظهورالسلوك (العنف)، أو يمكن التعبير عنه داخليا من خلال السلوك المدمر للذات، العنف ليس بظاهرة حديثة بل تواجدت بتواجد الانسان  في أقدم المجتمعات البشرية بداية مع قصة هابيل وقابيل، وهوالأمرالذي يجعلنا ندرك أن العدوان هو عاطفة يمكن أن تتراوح من خفيفة إلى متطرفة، إنه سلوك طبيعي وغريزي كان جزءا من التطور البشري لعدة قرون، بالنسبة لفرويد Freud  تمثل العدوانية غريزتين :

1-غريزة الحياة التي تُمثّلها الدوافع الجنسية

2- غريزة الموت التي تُمثّلها الدوافع العدوانية،

 فكل كائن حي مجهز بشكل فطري بالعنف، وبين الحياة والموت مسيرة صراع وتدافع، بين دوافع الحياة ودوافع الموت، بين الوجود وما يهدده، دافعية العنف والعدوان تصور نفسي وشعورتتولد معه رغبة الحماية ورغبة البقاء، فكلما تزايد الشعوربالتهديد، أوالشعوربالإحباط، أوالشعور بالعجز ، أوالشعور بالإرهاق ، أوالشعور بالإهانة، أوالشعور بالتجاهل يظهر العنف كتعبيرعن العدوان، كما يمكن لأي اضطراب في سلامة الصحة النفسية  كالاكتئاب والقلق أواضطراب ثنائي القطب أو غيرها من الاضطرابات التي تولد العنف، كلها تساهم بشكل كبير في ظهور العنف واستفحال السلوك العدواني ، إضافة إلى ما يسببه تعاطي المخدرات، دون إغفال العوامل البيئية والفقر والأمية  والتمييز،

العنف يتمظهر في سلوك الفرد في جميع مراحل نموه، وفي جميع حالاته النفسية “سويا” أو مريضا  يعبر عن مشاعره بحماس أو ردة فعل مبالغ فيها من خلال السلوك الجسدي أو اللفظي أو العاطفي،

الأطفال والعدوان

العدوان عند الأطفال يتطور عبر مراحل متعاقبة، والملاحظ أن  الطفل العنيد والعنيف غالبا ما يتميز بالذكاء والنشاط والحيوية، يصب جام غضبه على الأشياء كمرحلة أولى في سن (2/4)، ثم بعد ذلك بعدما اكتسب الطفل رصيدا لغويا يمكنه من التواصل مع محيطه، تصير اللغة أداته في العنف فيتحول الموضوع إلى أقرانه ومحيطه بعنف لفظي أكثرمقارنة مع العنف الجسدي، ومن سن السادسة أو السابعة يحول الأطفال طاقتهم نحو المباريات والمنافسات الرياضية، وهي الفرصة المناسبة والمجال الملائم للتنفيس والتفريغ بشكل سلسل، ومع تقدم السن يتمكن الطفل من التحكم في مشاعره ويختفي العنف تدريجيا من سلوكه، مع الإشارة إلى تأثير الهرمونات حيث زيادة هرمون التستوسترون تجعل من المراهقين أكثرعدوانية وبضعف أوإفراط في السيطرة على الهدوء،مع تسجيل نسبة اعلى عنذ الذكور مقارنة بالإناث.

أسباب السلوك العدواني عند الأطفال:

تختلف الأسباب من طفل لآخر، وقد تحتاج بعض الحالات إلى تقييم شامل من قبل الأخصائيين في المجال النفسي لتحديد الأسباب، والمساعدة في علاج السلوك العدواني، لكنها مرتبطة ضرورة بأحد العوامل التالية :

العامل الوراثي : من الممكن ان ثؤثر العوامل الوراثية في زيادة احتمال ظهور السلوك العدواني، أي أن الجينات هي التي تتحكم في تصرفات الطفل.

العامل البيئي: يتأثر الأطفال بالبيئة التي يعيشون بها وثؤثر فيهم سلبا أو ايجابا، وظهور العنف والعدوان من عدمه رهين بالبيئة الآمنة والداعمة للطفل (التفكك الأسري وسوء العلاقة بين الوالدين…….)

المشاكل العاطفية والنفسية:  الأطفال الذين يعانون من مشاكل عاطفية ونفسية، مثل القلق والاكتئاب واضطرابات الانفعالات، تعبيرهم عن مشاعرهم يتخذ طابعا عنيفا، شعورالطالب بالنقص (جسمياً – عقلياً – دراسياً – اقتصادياً… ) أمام أقرانه، يؤدي به إلى العنف تعويضا لهذا النقص وتنفيسا للمكبوتات الدفينة.

تعلّم السلوك العدواني: العائلة أوالمدرسة، أوالأصدقاء أووسائل التواصل الاجتماعي،  يمكنها أن تعلم الأطفال السلوك العدواني، مالم تتم المراقبة والمواكبة.

ما العمل في حالة بروز السلوك العدواني؟        

     ليس هناك علاج موحد يجب اتباعه للقضاء على السلوك العدواني لدى الأطفال، الذي يعتبر مشكلة نفسية خطيرة ويجب التعامل معها بشكل جدي وفعال، فالتدخل يمكن أن يتضمن العلاج النفسي أوالإرشاد الأسري أوالتدخل السلوكي أوالعلاج الدوائي، حسب ما تقتضيه الحالة وشدتها،

      التقرب من الطفل العنيف والعدواني تلزمه ضرورة التحلي بالصبروالمرونة، بغية تشجيعه على القيام بالأشياء بطريقة مختلفة وهادئة، وزرع الثقة في النفس وقبول الاختلاف، وتعزيز السلوك الايجابي.

  الحرص على سلامة الوسط الذي يعيش فيه الطفل،والانتباه إلى طبيعة الألعاب، ونوعية الأصدقاء، وتتبع المواقع الالكترونية التي يزورها باستمرار، ونوعية تطبيقات الجوال (مع ضرورة تقليص ساعات الارتباط بالعالم الافتراضي وما يروج فيه من ألعاب العنف بشكل محترف وجذاب يسهم في إدمان الأطفال واغترابهم عن الواقع ) والهاتف عموما .

لتقرب من الطفل وإبداء التفهم مع مشاركته هواياته وتوجيهها توجيها غير مباشر،مع تمثين روابط التواصل  

توجيه الطفل إلى برامج أوأفلام مختارة بعناية لتعزيز السلوكات الايجابية،

إعادة النظر في طرق التعامل معه وتفهم التغيرات الفيزيولوجية والنفسية  التي تصاحب مراحل النمو.

التشجيع على ممارسة الرياضة الفردية والجماعية،.

في حالة تفاقم حالة العنف واستمرارها بشكل كبير ، ضرورة التوجه لطلب المساعدة النفسية والتوجيه اللازمين

أنت المثل الأعلى لطفلك فلا تغضب بشكل مبالغ فيه أمامه، لا تنفع الكلمات والتوجيهات في ظل تناقض الفعل والقول.

                                 

زر الذهاب إلى الأعلى