محسن الأكرمين.
الاثنين 20 مارس 2023 – 15:21
في حوض البحيرة الدائري كانت وظيفة القوانين هي احتواء السحرة والسيطرة عليهم وتقييدهم، بهذه العبارة انتهت محاكمة النابش عن الكنز السابع بلا إذن مسبق من خُدام تراب الأرض القديمة. وهو يصيح من شدة قسوة عقابه الأبدي، أنتم تمتلكون القانون ولا تمتلكون العدل، فلست أنا !! قد يكون الخائن المفسد واقفا بين مائدتكم المستديرة !! قد يكون الساحر المنقب عن خاتم سيدنا سليمان، يُجيد الحديث مع التراب ويستمع إليه.
أمام عيون مناد العز، تتساقط نجوم الأرواح المعلقة بين السماء والأرض. يتساقط من يسترق السمع خفية، وشهب السماء تتبعه رجما. في تلك النيران الباردة تذكر ذاك الساحر الذي علق في التقييد الناري، والتكميم المؤبد. تذكر كيف أتى به دليلا خائرة القوى من قرية الأطفال التي روع ساكنتها، واستنشق دماء الأطفال المواليد بسحره الأسود، أَدْرك أن اللعبة بين الشر والخير لم تنته بعد.
تَنحى جانبا فهو يَنثر تطايرا من تعبيره قولا مفزعا، فهو لا يريد مشاهد أخرى للذكرى الدموية الآتـية من شاشة المرآة التي تحمل وجوه كل القوى الخارقة. لا يريد من شجرة الطاعون أن تتدلى عروقها في تلك التربة الدافئة المتكلمة والمستمعة. لكن ذاك الساحر الماكر كان أقوى من صياد السحرة وتسرب أرضا، وترك لسانه ينهل قوة من تبعثر الإنارة الخافتة، الآتية من فوهة مقام سيد الشياطين إبليس، وهو يخاطب صائد السحرة: تعلم أن الشر دراما مقيتة لا تنتهي !!
على رأس الموت غير المكتمل، كان يطلب صائد السحرة من الميت الصمود قبل نهاية أنفاسه الأخيرة، والتي كان الشمع يستنير منها هواء منيرا. كان يفتش عن ذبابة لعنة الطاعون، التي نالت منه بفعل التراب الحامل لدم أطفال قرية فوانيس أرض السلام. كان الصُبح حزينا، حين نزلت الغيلان بلا رحمة على لعق فطور دم ممَّا تبقى من جنس البشر النقي، غير المختلط بتعويذات السحرة الكبار.
حضر صياد السحرة الخارجين عن سيطرة قانون الطاولة المستديرة لأخوية العفاريت، كانت تتألف من جمع ما تبقى من وزراء جن سيدنا سليمان. كان صياد السحرة لا ينظر في العيون التي طرفها لا يرتد أبدا، من شدة استعدادهم تنفيذ التعليمات المكتوبة، والآتية من سمك المرآة الخارقة. كان يستدير طوافا مع المائدة، والتي لا كراسي تحيط بها. لا حركة تسير، غير عيون قطة سوداء تتبع خطواته، وتنتظر تنفيذ حكم الإعدام المريع لكل الغيلان التي سفكت الدماء بأرض أطفال السلام.
كان العرض مريعا ومأساويا، ويختلط فيه الشر، وجمال رعب عارضات أزياء في أرذل عمر الشيخوخة القاسية. كان الشراب الأحمر المطهر يتدفق من نبع المائدة المستديرة، والكل ينهل منه إفراطا. كان ذك الشراب يشابه البلسم المداوي من لسعات ذباب الطاعون الأبدي الذي أصاب آخر ملكة من مقاطعات حكم جن سيدنا سليمان المعمر في قبور الثلج الثلث الخالي.
عند مُنْتهى الطاولة المستديرة، قلب صائد السحرة المائدة رأسا على عقب. حينها تشتت الشراب الأحمر ترابا، والذي أخذت منه الغيلان شدة يد قاسية، وحكمت به الأرض السفلية بمكر السحر الأسود. كل من في القاعة المظلمة تحولت ملامحه من النظارة نحو شيخوخة الزمن، وحل الظلام في أمكنة فراغات النور المتبقي في غرفة أخوية العفاريت، وتشتت الجمع هروبا من فتنة يأجوج ومأجوج الذين يتكلمون لغة للتراب و يحسنون النقب فيه بالسمع.
في ثقب النور العلوي بالصغر، ترحل فراشات القاعة عليا هربا من الظلام غير المنكشف، وتنسحب بالابتعاد عن كل الأشجار التي ركبها الخريف فصل ربيع. تفرُّ من كل الوجوه التي شاخت بالنهاية السريعة، وألقت ما على جسدها من ضياء حلي وحرير، وباتت تشكل مَجْمَع نهاية مملكة سلالات عائلات جن سيدنا سليمان.
في غرفة القاعة ذات فراغات النور، كانت تَالاَ الوحيدة الذي لم يتغير زمانها العمري، وحافظت على شبابها. نظرت نحو صائد السحرة، وهي تناجيه قولا: من أين أبدأ لكي أساعدك على إنقاذ البشر من فتنة السحرة الماكرين؟ كان جوابه أسهل: فكري من حيث البداية، ولا تتوسلي الرحمة من جني الأرض السفلية، فالرحمة منبعها من السماء.
كل من فَرَّ من حول المائدة بعد تدميرها، كان يسكنه الشيطان المُجسم في أثواب الخير والنصح. كانت أولى خيانة لأنثى البحيرة تَالاَ إعدامها بالسم، ثم حرق جسدها بلا تحكيم من جن الأرض العادل. كان الفأس يرفض تأبين الملكة تالا في التراب البحيرة الدفيئة بدم أطفال قرية السلام. فالفأس كان أشد عدلا من حكم القتلة الغائبين. لكن السحرة في نشوة من الشراب الأحمر، سواء بقبول الفأس أو برفضه، كانوا يريدون مواراة فعلتهم الشنيعة بالإخفاء، ثم التباكي بعدها على القبر طلبا للمغفرة والسماح، وجعل القلب الخائن يوازي الحب خرافة من زمن كان يا مكان.
كان صائد السحرة يتصرف بلطف مع جنس جن الأرض العادل. كان يريد أن يتخلص من أذرع شجرة الطاعون الكبيرة التي شبكت جذورها عند رقبة العباد حد الاختناق. في تحور للشر المتدفق من فوهة القاعة، بات طليقا حرا، بات يحسن الركوب على أجنحة ذبابات شجرة الطاعون التي قتلت الملكة في استنشاقها لزهرة الحياة المميتة. كانت مسؤولية صائد السحرة تتوسع وتتزايد في استعمال سلطة القانون وإعلان السيطرة على بدايات فساد الشر من المنشأ.