محسن الاكرمين
الثلاثاء 02 ماي 2023 – 13:42
كانت فرحتي لا تماثل فرحة، فقد سُعِدْتُ من المشاهد البهيجة عن مدينة الأعاجيب مكناس، وقفت عند مفاتن مدينة وهي تتبرج بالفتنة في الحاضر،وتنفض عنها غبار التقادم، والتفكير الأحاجي. كنت أتجول بين الصبح والمساء في شوارع العامرة، وحارات ودروب وأزقة مدينتي منتصب القامة أمشي. فمن قلب المدينة العتيقة، بعبق التاريخ نحو المدينة الكولونيالية (حمرية)، كانت كل الطرقات تتسع لكل السيارات والمركبات، كانت القناطر متوافرة، والممرات الأرضية قد ألغت (علامات الأضواء الثلاثية) البدائية، وتجوال المشي في تناسق مع حركية المدينة العلية، بالتنظيم والوعي والسلوك الحضاري.
وجدت أن المدينة العتيقة كل منازلها ورياضها تحمل نفس الألوان الحقة وأناقة التاريخ. وقفت على أن المدينة العتيقة باتت منظمة ومنسقة الأسواق، والمهن كما كانت عند أيدي الأجداد، وهندسة السلف الصالح. كانت معالم التجديد من عمليات التثمين توثق إعادة التوظيف الأمثل. سمعت أهل المدينة العتيقة في ذكر (دليل الخيرات) و (البُردة البوصيرية)، والكلمات الطيبة في تناغم مع المكان، ورفع الأذان من المسجد الجامع الكبير. كنت في تأن من أمري، وأنا أتيمن دخول المسجد الكبير، وأخطو في صفاء نحو كل أبواب زوايا المدينة الصوفية. سمعت (الوِرْدَ) الحزب يرتل تباعا، وبالقراءة المغربية المتفردة. وقفت أن المدينة العتيقة باتت مفتوحة على المستقبل بالتقاء الترافع، ولم يعد الماضي يُثْقل مسارها التنموي.
فَرحتُ جدا أن (مكناس لم تعد تشكل مشكلة) بتاتا، فشوارع المدينة كانت كلها مرصفة، وتعيش الأناقة البيئية في تناغم مع الحدائق الغناء، وكل الممرات ميسرة الولوج، والملك العام المشترك بات محررا، والتنظيم انتقل من فزع العشوائية والارتجالية والأنشطة غير المهيكلة، نحو مفهوم الحضارة عند ابن خلدون و(أرنولد توينبي/ التحدي والاستجابة) .
في الليل باتت المدينة تماثل مدينة الأنوار وتزيد رونقا، وجميع أطياف الألوان المتموجة تتحرك في العيون الناظرة. كانت الساكنة في تنظيم وسلوك حضاري، مع مظاهر التمدن الذكي بمكناس، كان الجميع يحس بالأمن والأمان حتى في تلك الهوامش القصية عن مركز المدينة، والتي كانت تتشكل من لغة جديدة ودخيلة (شَحالْ مِنْ بَطَانَة طَاحَتْ اليوم !!)، فقد باتت تماثل المراكز الحضرية التي تستقطب الحياة لا الموت، والأمن غير الفزع. دوريات من الأمن حاضرة، وتعيش حتى هي في أمن ونشوة سعادة من انتهاء زمن (التشرميل) و(الزطاطة)، حيث باتت كل الخدمات متوفرة، وبالسرعة غير المحسوبة. حتى الوقاية المدنية والإسعافات الأولية، تجوب شوارع المدينة ولم تصادفْ ولا حادثة لنقل الضحايا لمستشفى التخصصات من الجيل الرابع. كان المسؤولون عن المدينة (الفاضلة زَمَانْ زَمَانْ)، يتشاركون فرحة من أمرهم، حين حققوا عيش الكرامة وجودة الحياة والحكامة النهائية !! وباتت مكناس جزءا من جنة دنيا، تشابه (أوسلو النرويج) !!.
من تمام فرحة المواطنين الطيبين الطيعين، فحين تلج قدماك أي إدارة عمومية، تلقى البسمة من كل الموظفين، والإرشادات المؤنثة بالورود، وحاجتك (مقضية) قبل تنبش بكلمات الشكر الموصول لكل الموظفين. كانت كل قاعات الانتظار، وذاك الصف الرتيب قد انتهى زمانه المنغص، وبات نسيا منسيا، باعتبار المواطن ملكا في قضاء مآربه القانونية، وبدون تدخلات ولا رشوة مقيتة.
تتبعت مسالك ماء وادي بوفكران، فحمدت الله وسبحت (بكرة وأصيلا) أن جريان مياهه باتت تملأ ضفافه، وجدت (الكِيدُونَاتْ) و(البَلِييْصَة) المسابح القديمة والشعبية بالوادي لازالت تحتضن الأجساد العارية، وكل ضفاف الوادي يانعة مخضرة، حتى (العوينة الصافية) ومنتزهات (السلاوية) ومقطع وادي كيتان بالقرب من (قنطرة باب العمائر)، لازالت تحتضن البط المائي وحوت الوادي، فيما المسبح البلدي فقد يتجدد ماؤه بدون توقف. حينها تذكرت صغري و(التحنقيز) في (البلونجوار) و(عزيز الحبادي والإخوة الغويني)،و(باسيدي ولد بيرمة/ رحمه الله وغفر له).
وأنا أتلذذ من مشاهد مدينتي المتنطعة في خندق المعارضة !! توقفت عن السير قدما، وعاودت التفكير بالتكرار الممل وتساءلت بالاستنكار:ما هذا التمكين الجميل الذي أصاب مكناس، وبدون (اخْبَارْ المخزن)؟ حينها بدأ الحلم يتسرب عند (الأنا العليا) حقيقة مفزعة، و(الجير) يتقادم، و(العكار الفاسي تَيْتْمَمَرْدِ)، والأزهار التي غرست متفتحة (بقدرة قادر) قبل الملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب تموت عطشا ودوسا، حينها أحسست حتى (أنا) بالعطش، فلم أجد شربة ماء تشفي من الوادي غليل الحقيقة المرَّة بجانب سريري، فأسرعت إلى البراد، وأنا أحمد الله الليلة أن المدينة لها مُسْتقبل في رؤية الحلم !!