د.عزيز جلال
الأربعاء 22 نونبر 2023 – 21:36
قبل الحديث عن أهمية ودور الأخصائي النفسي في المجتمعات الإنسانية، ومساهماته في تدبير قطاع الصحة النفسية، لابد من الإشارة إلى ضرورة التمييز بين مجموعة مهمة من المتدخلين في المجال، والذي يعرف فوضى كبرى لتمازج ثقافة العلاج النفسي بين الممارسات اللاعقلانية المنبثقة من الواقع وحمولة الرصيد الاجتماعي بثمثلاته وتأويلاته الروحية والدينية المشوهة من جهة، وبين الأسس المعرفية والعلمية المرتكزة على تقنيات ومناهج التجريب ومستجدات الأبحاث المستمرة والمتجددة في ظل تعقد الظاهرة الإنسانية وتفاعلها مع الثورةالإقتصادية والأخلاقيةوالمعلوماتية من جهة أخرى،
للأسف لايزال هناك خلط كبير بين تخصصات العلاج النفسي من قبيل المحلل النفسي، المعالج النفسي، الطبيب النفسي، والأخصائي النفسي، حتى لدى الجهات المسؤولة ووسائل الإعلام بكل تلويناتها كثيرا ما نلحظ هذا الخلط في المفاهيم لهذا ارتأينا ضرورة التركيز عل التمييزوذلك بالنظرإلى طبيعة دراسة كل شخص واختصاصاته بين الطبيب النفسي والاخصائي النفسي،
فالطبيب النفسي psychiatre/psychiatrist
تلقى تكوينا أكاديميا في إحدى كليات الطب وهو الوحيد الذي له الحق في وصف الأدوية للعلاج حسب شدة الأعراض وقوتها بين مضادات الاكتئاب أو مضادات الذهان والمهدئات والأدوية المنبهة….
الأخصائي النفسي psychologue/psychologist
شخص لم يدرس في كلية الطب، لكنه حاصل على شهادة متخصصة في علم النفس، درجتة الماجستير أوالدكتورراه، دارس لنظريات التحليل النفسي بشكل معمق، وبالتالي فهو لديه القدرة على تقييم وتشخيص الاضطرابات النفسية.خضع لتدريب عملي كاف في الميدان،
في واقعنا العربي تتناسل مراكزالتنمية الذاتية بمسميات لاحصر ولا ضابط لها،ومراكز العلاج بالطاقة،كماهو شأن مراكز “الرقية الشرعية” التي أضحت تتمركز في كل الدروب والأحياء في ظل صمت رهيب من الجهات المسؤولة، اللهم في بعض حالات الطوارئ عندما تتفجر فضيحة هنا أو هناك، أما عن الممارسات المسكوت عنها وعن استنزاف أرزاق العباد تحت طقوس دينية محرفة وبعيدة كل البعد عن الشرع والشريعة، فالمجال لايكفي لسردها،
والحديث عن مصداقيتها وارتباطها بثقافتنا وهويتنا المشتركة _في ظل تلميع هذه الممارسات من خلال الإعلام وتواتر الروايات الممجدة لها-، يزيد من تشبت عدد مهم من الناس بها لأنهابالنسبة لهم الملاذ الآمن والسريع وسط التيه والضياع، وغياب أفق، مع استمرارية الخوف من الوصمة الاجتماعية في حالة التوجه إلى طبيب أو معالج نفسي،
ما الجديد الذي يمكن ان يضيفه الأخصائي النفسي وما مجالات تدخلاته؟
هناك العديد من الموضوعات التي تقع ضمن نطاق عمل الأخصائي النفسي:
قضايا الصحة العقلية ، مثل الاكتئاب والقلق والرهاب ؛إدارة المعاناة والتوتر والغضب؛ الأمراض التنكسية في الدماغ ، مشاكل تنموية وسلوكية ؛ المشاكل النفسية المرتبطة بالظروف الجسدية للمرض (الأمراض النفسجدية)، مثل مرض السكري أوالحساسية، أو السكتة الدماغية أو أمراض القلب ،السلوك الإجرامي، مساعدة الضحايا، التدخين أو إدمان الكحول أو تعاطي المخدرات ؛أو علاقات الأزواج ، مشاكل الأسرة.وغيرها من المشاكل المرتبطة بالصحة النفسية والعقلية، للمواكبة والتتبع ، يسلك الأخصائي النفسي جملة من الخطوات والمراحل في تفاعل مع الشخص المعني أو مع من يرافقه، من أجل فهم سليم لحالته النفسية والجسدية وصفا لتاريخه الشخصي والمرضي، مع التركيز على زمن بروز المشكل ، و تحديد دقيق لكل العناصر التي يمكنها أن تعمل على تفاقم أو تقليص حدة المشكل المطروح ، مع العمل على تحليل دقيق للكيفية التي تؤثر بها هذه المشكلة على الحياة الاجتماعية والأسرية والمهنية، زاده في ذلك اختبارات نفسية أثبتت نجاعتها في تجارب سابقة، لفهم شعور المريض أو سلوكه بشكل أفضل. بمجرد جمع المعلومات (من خلال مرحلة الاستجواب و / أو الاختبار) ، يخطط الأخصائي النفسي لعدد الجلسات التي يعتقد أنها ستكون ضرورية لمعالجة المشكلة أو تعديل السلوك تعديلا يتماشى مع خصوصيات الحالة من جهة و مع مستجدات علم النفس، خاصة علم النفس الإكلينيكي و المرضي، مالم تكن الحالة تستدعي تدخلا علاجيا عن طريق الأدوية ،
وللأسف فإن جهات متعددة عن قصد أو عن غير قصد تعمل جاهدة إلى تقزيم دور الأخصائي وحصره في المجال الصحي فقط، وفي حالات نادرة في المجال التعليمي،”مع نذرة حضوره إعلاميا وحضور وجوه لاصلة لها بميدان السيكولوجيا إلا ما يشنف أسماع المشاهدين ويزيد من عدد المتابعين” بيد أن الأخصائي النفسي إسوة بالدول التي تحترم مواطنيها وتسعى لمواكبتهم في الحقيقة مطلوب وبشدة في كل القطاعات، وبكل مجالات التنمية في المجتمع ، لكن وجوده في واقعنا يكاد ينعدم في كافة قطاعات الحياة خاصة في مجال إدارة الأعمال والتسويق والتجارة و الرياضة، وهو الأمر الذي ينعكس على تكريس إكراهات متعددة تحول دون تقبل ثقافة الاستشارة السيكولوجية في مجتمعنا، ولعل أبرزها الفوضى التنظيمية لمهنة الأخصائي النفسي،في ظل غياب قانون يؤطر مهنة الأخصائي النفسي، وحماية حقوق ممارسيه ، وفي الوقت نفسه حقوق المواطنين “موضوع التدخلات العلاجية المتعددة” ، بدل حالة الفوضى والعبث الذي يعرفه قطاع المواكبات النفسية ومرافقة الأطفال والشباب والشيوخ في كنف الممارسات الفوضوية وغير المهنية التي لا تستند على أي أسس سيكولوجية أوعلمية، من طرف هواة ومتطفلين يقدمون انفسهم بصفة متخصصين في العلاجات و و و و و…….همهم الوحيد والاوحد الربح المادي ، هذه الممارسات التي وجدت ضالتها في وسائل التواصل الاجتماعي وبعض القنوات الفضائية العمومية والخاصة على حد سواء ،
الوضع الوبائي الذي عرفه العالم وما تركه من تأثير على الأفراد والجماعات، جعل الأنظار تتجه كلها نحو طلب المؤازرة، الأمر نفسه عرفه المغرب إثر الزلزال الذي حول من جديد بوصلة الاهتمام صوب علم النفس عموما ، ومواكبة الاخصائيين النفسانيين بشكل خاص،الذين لم يخلفو الموعد،مما يبين أن الحاجة ماسة وضرورية لوجود هم في كل المجالات وليس حضورا مناسباتيا فقط،
لكن الأسئلة التي تفرض نفسها:
إلى متى سيبقى دور الأخصائي النفسي منحصر في التدخل العاجل في الازمات فقط؟
وما المعايير العلمية المعتمدة لقبول اعتماد الماجستير لفتح عيادة اكلينيكية؟
وهل كل حاصل على ماجستر في علم النفس يمكنه حمل صفة أخصائي نفسي؟