محسن الاكرمين
الخميس 04 يناير 2024 – 21:13
حين بلغت سنة ( 2023 ) العد العكسي في حياتها الفانية، اكتشفت ليلتها أن التاريخ ليس تعاقبا لعصور وأزمنة متتالية بالدقة المتناهية، وإنما هو اقتراب لفهم ذات الشيء في انفصلال الماهية، ومعرفة حدود التطابق والاختلاف. حقيقة، لم أكن قبلها أعرف أن الزمن قد يتعاقب ويتطور من خلال الانتقال من اللاتعيين إلى التعيين (تعريف الذات من خلال الآخر)، لم أكن أمتلك آليات عقلية لضبط ذاتي وهويتي وذاكرتي من شدة الخواء في سنة (2023) إلى الامتلاء في سنة (2024). وقفت على أن التطور في حركة عقارب الزمان يزدحم بدون تأن، حينها أحسست بأنه الخواء في تفعيل الفكر ، قد ُيلغي الماضي من ذاكرتي الضيقة بالتذكر، ومرات عديدة بالنسيان التجريدي.
لكن، تيقنت أن الاستسلام للعدمية الفكرية، قد يلغي الذات العارفة (ذاتي)، فيما الامتلاء فقد يحافظ في ذات الوقت على تعاقب تراث الفكر من السكونية نحو التفاعل مع المستقبل، وقد يُنعش رمز التمثل ويجعل أي موضوع ماثلا وحاضرا بقوة المنطق والعقل أمام ذات الهوية المنفردة، وطابع الوحدة المشتركة في الهوية الضمنية.
حين فكرت في سنة (2023)، عاينت أن الرجوع إلى الوراء قد يقودنا إلى ميدان أَهْمله فكر التخزين (أنا الداخلي) حتى الآن من الاستذكار، و بقي استذكار النسيان هو المحارب الجدي للتذكر. وقفت على رمزية بروز فجر الفكر (الحداثة البعدية)، الذي حتم لزوما منابر الاشتغال في المستقبل، وليس الرجوع إلى الوراء لاستذكار ذات متذكرة ومتفحمة بالمأساة، و العمل على إحياء وبعث الماضي (مهما كان)، و لما لا نشل الذاكرة من ذات التحجر، ونقد الذات المعرفية نحو العولمة الكونية.
بحق الله، أننا نضع ذواتنا مرارا ضمن خندق ذهنية دوغمائية / متحجرة خطرة، وقد تكون منتشية بالرسوبات التراكمية. تجعلنا الذاكرة المتكهربة (الاختلاف في خلق التوازن بين الماضي والحاضر والمستقبل) نتهرب من المسؤوليات البينية، ونشعر باستحقاق الركود، ونفقد فيه طرق الاحتفاظ والاحتضان لفكر الاختلاف والتغاير، فيطفو حتما الاختلاف الباطني أو الجوهري من فرضية التطابق السفلية، ومرات عديدة تتبعثر الأفكار حدة بحدود وحدة التطابق والتنوع، حينها لا نصنع الوحدة اللازمة. فالتناقض الحارق هو ذاك المجابهة التي تثبت فيها الأزواج (الاختلاف والتغاير) طريقها نحو الوحدة الوهمية. أما المفارقة القاتلة، فإنها تعمل على تصدع الوحدة النمطية التأملية، وبعدها لم يعد بوسعنا تمثل الهوية بأنها الوحدة بذاتها في الفكر والذاكرة المشتركة.
فالتنوع، هو اختلاف الانعكاس المقعر، أو هو الاختلاف نفسه، وبلا مناورات تجريبية. إنه اختلاف متعين لوضعية خلخلة الذات وهز وحدتها تجاه صناعة المتغيرات التجانسية. فيما استعراضات الاختلاف (الذات/ الآخر) فهي مجرد اختلاف خارجية لا جوهرية (تُرَيِّبُ وَتَبْنِي). لحظتها لن يكون لرمزية المساواة والإنصاف اللغوية، إلا التطابق في حدود الرمزية والحسابية الآلية، وليست هي المساواة العادلة في ذاتها (المقايسة والمعادلة)، إنها بحق حدود اكتشاف اللاتطابق من التطابق (الذات والهوية والفكر) وتم يكون احتمال حدوث الانجراف الخاطئ في بناء السلسلة المعرفية الجديدة.