عزيز جلال باحث في علم النفس
الجمعة 01 دجنبر 2023 – 16:11
ويبقى تبني موقف عقلي إيجابي الكفيل بإدراك الموقف بشكل مختلف، وهو الأمر الذي قد يحتاج إلى مواكبة نفسية من أخصائي على دراية بطبيعة المرض وتأثيراته على الحالة النفسية والمزاجية، بالإضافة إلى الحصول على المساعدة من المهنيين الصحيين، فإن دعم أسرهم والمحيطين بهم أمر ضروري يساهم بشكل كبير في رفاهية الشخص المصاب وتحسين مزاجه.
من الطبيعي أن يشعر المصابون بالفيبروميالجيا بالإحباط أو اليأس، لكن من الحكمة أن لا ينتابه أي شعور بالتردد في طلب المساعدة، لأن الاستشارة النفسية كفيلة بالمساعدة على التعرف على الذات بشكل أفضل بعيدا عن ما يشاع حول طبيعة الأمراض من الأوساط التي لا علاقة لها بمجال بالصحة النفسية أو العضوية، مع فهم الألم واحتوائه ستوفر هذه الاستشارة أيضا فهما أفضل لمراحل الحزن الناجم عن المرض، مع الدعم يمكن إعادة بناء حياة جديدة، بطبيعة الحال وبكل واقعية ليست كما يحلم بها المصاب، ولكنها فعلا ممتعة إن تم النظر إليها بكليتها، فالأدوية التي تعالج الأثر المرئي للمرض دون البحث عن السبب وراء الاضطراب، تستدعي ضرورة تدخل التحليل النفسي والمقاربة السيكولوجية على الرغم من أن فرويد كان يدرك أن علم الصيدلة سيفرض يوما ما قيودا على تقنية العلاج بالكلمة، وتضييق الخناق على العلاج النفسي والاكتفاء بالمجال الربحي وتسويق أدوية لا تغير من طبيعة الألم ولا من مزاج المصابين،
والحديث عن تشخيص مرض الفيبروميالجيا لا بد من توفر معايير ضرورية:
الألم المتواصل لأكثر من ثلاث شهور،
مشاكل في الإدراك (الذاكرة أو الفكر)، التعب، الاستيقاظ (من غير الإحساس بالنشاط)، لا توجد مشكلة صحية أخرى من شأنها أن تفسر الألم والأعراض الأخرى،
أوهام نفسية أم أعراض عضوية؟
يفسر بعض العلماء سيرورة الألم المزمن في مرض الفيبروميالجيا من خلال تكرار المحفزات العصبية باتجاه توكيد الألم في مناطق معينة من الجسد، تلعب دورا أساسيا في ارتفاع مستويات مركبات كيماوية بعينها في الدماغ، وهو الأمر الذي يؤدي إلى ظهور أعراض الألم، الذي يتكرر لأشهر ثم لسنوات حتى تمتلك مستشعرات الألم ذاكرة مرضية تحفز المريض للتألم بمجرد تذكره أنه مصاب بآلام غامضة لا يعرف طبيعتها ولا يمتلك أي استراتيجية للتعامل معها ، فتشرع دوامة الألم وذاكرة الألم التي لن تنتهي، ومعها تنطلق رحلة مكوكية تبدأ بزيارة طبيب الأسرة، ثم أطباء الأعصاب، ثم أطباء الروماتيزم، فأطباء العضلات ، فأطباء العظام، وأطباء أمراض الدم، وكل طبيب يمكنه أن يخفف من حدة الألم أو يساهم في إمكانية التكيف أو النسيان، لينتهي غالبا بالأدوية المسكنة للألم التي كان قد بدأ بها لوحده دون وصفة طبيب،
كيف يتم علاج الألم العضلي الليفي؟
في ظل غياب علاج نهائي للفيبروميالجيا. يلجأ العديد من الأشخاص لكل مقترح يمكنه أن يخفف من وطأة الألم وذلك باللجوء إلى:
العلاجات غير الدوائية:
ممارسة الرياضة البدنية على الرغم من أن المريض يكون في حالة ألم ، فالتمارين البدنية مهمة ولها آثار إيجابية،
العلاج السلوكي المعرفي: من المعروف أن العلاج السلوكي المعرفي علاج يركز على معرفة طبيعة علاقة الأفكار والسلوكات وتأثيرهما على الألم والأعراض الأخرى، فعال لعدد من الأشخاص المصابين بالألم العضلي الليفي أو الألم المزمن، إضافة إلى علاج الحد من الإجهاد القائم على الذهنالذي من شأنه أن يساعد المرضى على تعلم مهارات الحد من الأعراض التي تقلل من الألم.
العلاجات التكميلية والبديلة: ممارسة التأمل الذي يقلل من الإحساس بالألم، لكن ما يجب التأكيد عليه هو ضرورة تضافر كل الجهود، من خلال مشاركة أخصائيين في الأمراض العضوية والاضطرابات النفسية والعمل معا من أجل مساندة المصابين وإرشادهم إلى الحلول والمقترحات الكفيلة بالتخفيف عنهم والتقليل من الضغوطات التي يفرضها المرض عليهم، تفاديا للمزيد من الإجهاد المزمن بسبب الاستجابة للضغط العاطفي الذي يعاني منه الفرد لفترة طويلة من الزمن حيث يجد الشخص نفسه فقد قدرته على التحكم به. ولإدارة الإجهاد والتحكم فيه تختلف طرق التعامل معه من شخص لآخر، إذ يعاني الكثير من الناس من علامات جسدية مختلفة: توتر العضلات أو الأرق أو غيرها. في حين هناك من يغلب عليه الحس العاطفي فيكون رده البكاء أو الغضب. ولفهم ردود الأفعال نحو الموقف المجهد هو الخطوة الأولى نحو تطوير القدرات الذاتية وتقليل مستوى التوتر،
وبكلمة، الفيبروميالجيا مرض غير مرئي، إلى جانب أمراض أخرى كثيرة يعاني أصحابها يوميا من غياب الفهم العلمي لها، ومن الخرافات والأحكام المسبقة المحيطة بها التي تزيد من حدة المعاناة وتكريس العزلة، من الواجب تظافر الجهود لتكسير الصمت الذي يرافق الألم، وجب التعريف بأعراضها والتنسيق مع وسائل الاعلام الجادة لإزالة الغموض عن هذه المتلازمات أو الأمراض وتأثيرها على نوعية الحياة، والمقاربة الدوائية والمقاربات السيكولوجية مهمة وضرورية للمرافقة والعلاج.