بقلم: فؤاد ابن المير شاهد عيان
السبت19يوليوز2025-23:15
رحل عنا اليوم رجل لا يُختزل في لقب أو تتويج، ولا في أهداف حاسمة أو ألقاب لامعة. رحل أحمد فرس، لكنه ترك فينا ما هو أعظم من كل ذلك: ترك سيرة عطرة، وأخلاقًا نادرة، واسمًا محفورًا في ذاكرة المغاربة كرمز للوفاء، والصدق، والتواضع.
أحمد فرس، أول من حمل للمغرب والعالم العربي لقب “الكرة الذهبية” عام 1975، لم يكن نجمًا فقط على رقعة الملعب، بل كان نجمًا في المعاني الكبرى للإنسانية. تواضعه الجم، وسمته الهادئ، واحترامه للناس، صغارًا وكبارًا، جعلت منه محبوبًا أينما حل وارتحل. لم يَخْطُ قط خطوةً نحو الشهرة، بل لحقت به، لأنه كان يستحقها.
لقد كنت شاهدًا على محطات كثيرة جمعت هذا الرجل بكبار مسؤولي الدولة، وكنت في كل مرة أندهش من حجم الاحترام الذي كان يُكن له من طرف شخصيات حكومية مرموقة، بل ومن طرف رجال كنت أظنهم بعيدين عن كرة القدم، فإذا بي أسمعهم ينطقون اسمه بتقدير نادر، معتبرين إياه مفخرة الوطن وأيقونة الكرة المغربية.
كان فرس رجلًا يحمل الوطن في قلبه، والملك في وجدانه. لا يتحدث عن المغرب إلا بحب عميق، ولا يروي سيرته إلا مقرونة بالانتماء الصادق لتراب هذا البلد. لم يساوم قط على مبادئه، ولم يركض وراء الأضواء، وظل طوال حياته رمزًا للمسؤولية الخُلقية قبل الرياضية.
لا عجب أن مدينة المحمدية – التي عاش فيها وأحبها – ظلت على الدوام تردد اسمه بفخر، وتُحيل كل ذاكرة كروية فيها إلى “سي أحمد”. كان بحق “مول الكرة”، ليس فقط لأنه كان من صناع مجدها، ولكن لأنه كان نقيًّا كقلب طفل، كبيرًا كقيمة وطن.
اليوم، نودّع أحمد فرس، الجناح الطائر، والأسطورة المتواضعة، ونودّع معه جزءًا من أنقى ما في تاريخ الرياضة المغربية. لكننا لا نودّع القيم التي غرسها فينا: الاحترام، الوطنية، والكرامة.
نم قرير العين، سي أحمد. اسمك خُلّد في القلوب، كما خُلد في سجل المجد. كنت، وستظل، منارة مضيئة في سماء الكرة المغربية، واسمًا لا يُنسى في تاريخ شباب المحمدية.
وداعًا سي أحمد… وداعًا أيها النبيل.