يونس لكحل – تاونات
الخميس 13 فبراير 2025 – 21:57
في خطوة غير متوقعة خرج عدد من الفلاحين من تراب دائرة قرية با محمد بإقليم تاونات للإحتجاج ضد القرار الذي يمنع زراعة بعض المزروعات ، وخاصة ” الدلاح ” ( البطيخ الأحمر ) ، الفلاحون الذين يعتمدون على هذه الزراعة قرروا تنظيم مسيرة نحو مقر الولاية بمدينة فاس للتعبير عن رفضهم للقرار ، حاملين شعارات تدعو إلى السماح لهم بمواصلة زراعة محصولهم ، كما أن هذه الإحتجاجات لم تقتصر على مطالب فلاحية بحتة ، بل تحولت إلى مطالب سياسية وهجوم على تنظيمات سياسية ومسؤولين حزبيين بعينهم ، مما أثار العديد من التساؤلات حول توقيتها وأهدافها في ظل الأزمة المائية الحادة التي تشهدها المنطقة .
معلوم أن المنطقة تعاني منذ سنوات من أزمة حقيقية في المياه ، تعود أسبابها إلى عوامل عدة ، من أبرزها الجفاف المستمر ، ونقص التساقطات المطرية ، وإرتفاع إستهلاك المياه من قبل مختلف القطاعات لا سيما الفلاحة ، ومن المعروف أن الفلاحة تستهلك حصة كبيرة من المياه في الجهة ، وهو ما ينعكس بشكل كبير على المخزون المائي سواء الجوفي أو السطحي ، بحيث تعد الفرشة المائية من المصادر الحيوية للمياه في العديد من المناطق القروية ، بما في ذلك دائرة قرية با محمد ، و الزراعات مثل ” الدلاح ” تتطلب كميات ضخمة من المياه ما يجعلها محط جدل وقلق فيما يخص إستنزاف الموارد المائية .
وفي ظل هذا السياق حسب عدد من المصادر المسؤولة ، يأتي القرار بمنع زراعة ” الدلاح ” ليعكس قلقًا حقيقيًا حول إستنزاف الفرشة المائية ، من خلال الإعتماد على دراسات علمية وتحليل واقعي لحجم تأثير هذه الزراعة على المخزون المائي في مناطق تعرف بالفعل ندرة في المياه .
وما يثير الإستغراب في هذه الإحتجاجات هو غياب النقاش حول التداعيات فيما يخص التوفيق بين حماية مصادر المياه وترشيد إستهلاكها وتنويع الزراعات الغير محتاجة للمياه بكثرة .
فالمسيرة التي إنطلقت نحو مدينة فاس لم تقتصر على الإحتجاج على (قرار ) والمطالبة ببدائل ، بل تم خلالها رفع شعارات تطالب بالسماح للفلاحين بمواصلة زراعة ” الدلاح ” دون التفكير في تبعات الإستهلاك الكبير للمياه. عدد من المتابعين يرون أن وراء هذه الإحتجاجات تحركات سياسية بدخول أطرافًا سياسية على الخط بهدف محاولة إستغلال القضية لتحقيق أهداف سياسية ، خاصة في ظل الوضع الحساس الذي يمر به المغرب على مستوى الموارد المائية والرفض الدائم للمزايدات السياسية في ما يخص الأمن المائي للمغاربة .
ففي الوقت الذي كان من المفترض أن يتم التركيز على الحوار والنقاش للوصول إلى حلول واقعية ، تم دفع الفلاحين بسرعة و بشكل ممنهج ومخطط له نحو الإحتجاج وتنظيم مسيرة نحو ولاية الجهة ، فما هي رسالة من يقفون وراء هذا الدفع …!!
لاشك أن الإستنزاف المفرط للمياه من قبل القطاع الفلاحي له تداعيات خطيرة على الإستقرار الإجتماعي والإقتصادي للمملكة وهذه حقيقة ، فالأمن المائي هو في الأساس جزء من الأمن الإجتماعي ، ويؤثر بشكل مباشر بحياة المواطنين، وفي ظل الأزمة المائية المتزايدة في المغرب من غير المنطقي أن يتم الدفاع عن زراعة محاصيل تستنزف المياه بشكل كبير ، في الوقت الذي يعاني فيه المواطنون من نقص حاد في الموارد المائية ، سواء من حيث مياه الشرب أو المياه المستخدمة في الفلاحة .
الواقع هو أن الحفاظ على المياه هو مسؤولية وطنية ، ويجب أن يتم إتخاذ القرارات بعناية لتجنب الآثار السلبية التي قد تنجم عن الإستمرار في إستنزاف المصادر المائية.
و ما يثير القلق بشكل أكبر هو أن هذه الإحتجاجات قد تكون بمثابة أداة للإستغلال السياسي، حيث تحاول بعض الأطراف الضغط في إتجاه البحث عن المواقع ضمن الخريطة السياسية القادمة ، دون مراعاة التداعيات على الأمن المائي في المنطقة ، بإعتبار إستغلال قضية المياه والفلاحة لمصلحة سياسية ضيقة قد يسبب المزيد من الفوضى ، فقضية المياه هي قضية وطنية ولا تتحمل المزايدات والتشاحنات السياسية الضيقة ، لأننا جميعا نعلم أن عدد كبير من الدواوير بدائرة قرية با محمد يعانون من ندرة المياه ويطالبون بحماية مصادرها وترشيد إستهلاكها ، فكفى من كثرة السياسة بلا منطق ضد المصلحة العامة الوطنية .