آخر الأحداث

فضيحة بيع الدبلومات… حين نسائل الظاهرة دون أن نعمم التهمة.

هيئة التحرير28 مايو 202558 مشاهدة
فضيحة بيع الدبلومات… حين نسائل الظاهرة دون أن نعمم التهمة.

 عادل بن الحبيب

الأربعاء 28 ماي 2025 – 12:39

لسنا هنا بصدد محاكمة شخص، بل بصدد مساءلة ظاهرة. نؤكد أولا أن الدكتور قليش، كأي مواطن، يتمتع بقرينة البراءة، ولا يجوز الجزم بإدانته إلا بحكم قضائي نهائي. ما أثير حوله من معطيات، وإن كان صادما للرأي العام، يبقى في إطار الادعاءات إلى أن تقول العدالة كلمتها.

في كل مرة تنفجر فيها فضيحة من عيار “بيع الدبلومات”، نصدم مؤقتا، نغضب للحظة، ثم نعود سريعا إلى عادتنا القديمة: الصمت والتطبيع. مثل هذه الظواهر هي وجه من وجوه الرداءة التي تجتاح التعليم، والإدارة، والسياسة، والصحافة، والعديد من المجالات حين تباع الشواهد، فذلك يعني أن هناك من يشتري، وأن هناك بيئة حاضنة، وأن آليات الرقابة إما غائبة، أو متواطئة، أو عاجزة. لا فرق بين شهادة تمنح مقابل تحويل بنكي، وصفقة عمومية تفوز بها شركة دون كفاءة، أو ترقية تمنح لموظف بسبب الولاء لا الاستحقاق. هذه الظواهر التي أصبحت نمطا إداريا وممارسة مألوفة، وشكلا من أشكال النجاح الزائف في مجتمعاتنا.

مثل هذه الظواهر التي تمارس في التعليم العالي قد تمارس مثلها في مناح أخرى، حيث تتراجع الكفاءة أمام المحسوبية، وينتصر التزلف على الجدارة. وكل من يرضى بهذا الوضع، أو يصمت عنه، أو يبرره، هو شريك في صناعة نماذج جديدة، تفسد القيم والمؤسسات، وتزرع الإحباط في النفوس وتقتل الأمل.حين يرى المجتهد أن الطريق مغلق، بينما هناك من يمر عبر الأبواب الخلفية، تسقط قيم العدالة ، ويصير الحلم عبثا.
لهذا من الضروري طرح الأسئلة الجوهرية ،كم من شخص لم يفضح؟ وكم من شخص تمت حمايته؟ وكم من مؤسسة أصبحت مرتعا لمثل هذه الظواهر التي تنهش ما تبقى من الثقة؟

نعم، نحن في حاجة ماسة إلى فضح الفساد البنيوي، لأن السكوت عنه جريمة، والتطبيع معه مشاركة. نحتاج إلى تسمية الأشياء بأسمائها، وإلى مساءلة الاختلالات التي تتكرر وتتشابه وتتحول من استثناءات فردية إلى قواعد غير مكتوبة. ولكن في المقابل، لا يجوز أن ننساق نحو جلد جماعي لكل العاملين في الحقل نفسه. ليس كل أستاذ فاسدا، ولا كل مسؤول متواطئا ولا كل شهادة مشكوكا فيها. نكاد ننسى التفريق الضروري بين فضح الظاهرة وإدانة الجميع، بين تفكيك البنية الفاسدة وتعميم الشبهة على كل من ينتمي للمجال.

الفساد لا يحارب بالتعميم، بل بالتدقيق. لا يحاصر بالتشهير، بل بالمحاسبة العادلة. داخل كل منظومة مريضة، هناك دائما من يقاوم، من يشتغل في صمت، من يؤدي واجبه بكفاءة ونزاهة، من يرفض الانخراط في منطق الزبونية والمحسوبية، ويؤدي ثمن ذلك من استقراره المهني، وأحيانا من سمعته. تعميم الإدانة لا يضر فقط بهؤلاء، بل يسهم من حيث لا ندري في تعزيز شعورهم بالخذلان والعزلة، وفي تجذير القناعة بأن الصمت أفضل من المواجهة.

لذلك، الإنصاف ليس ترفا في معركة الإصلاح، بل شرطا أساسيا فيها. أن نغضب، نعم. أن ننتقد، بكل تأكيد. لكن أن نكون دقيقين في أهدافنا، عادلين في أحكامنا، فذلك ما يمنح نقدنا قيمته، ومصداقيته، وفعاليته. فالعدالة لا تكون فقط في المحاكم، بل أيضا في الكلمات التي نقولها، في الأحكام التي نطلقها، وفي المسافات التي نحافظ عليها بين الوقائع والانطباعات.

معركتنا ليست ضد الأفراد، بل ضد السلوكيات، ضد التطبيع مع الانحراف، وضد كل من يكافئ الولاء ويقصي الكفاءة. الإنصاف يقتضي أن ننتقد بشجاعة، لكن دون أن نجرف نحو الشمولية التي تظلم الشرفاء و ما اكثرهم .لان العدالة تقتضي النقد لا التجريم الجماعي.