آخر الأحداث

الزاوية الخضراء في علبة تفكيرنا السوداء.

هيئة التحرير8 سبتمبر 20257 مشاهدة
الزاوية الخضراء في علبة تفكيرنا السوداء.

محسن الأكرمين.

الاثنين 08 شتنبر 2025 – 20:50

حقيبة الذكريات لا يقدر أحد على فتحها بالمكشوف في أسفار أزمنة حياته، وإن تأكد فسخ أقفالها فتلك تكون الشفافية المفرطة في الفضح والتعرية. مرات متعددة ما نُلازم الاختباء وراء ستائر داكنة الألوان، وكل ممارساتنا اليومية الروتينية نُعلنها بالشكل (البراني) عن حاضرنا، ونجعلها غير متحررة من مِنشفات الهفوات والتنبيهات الآتية من المستقبل.
مرات عديدة تلعب معنا اللغة لعبة (الفأر والقط)، حين تفرُّ من المناولة بالتحريك والتركيب والتصريف، ونحن قد نكون في أشد حاجة إليها للتعبير عن أحاسيس غامقة، حينها قد نتوجس الحيطة والخوف من كل المبررات بالممكنات اللامعقولة. كلنا بالجمع، يُحاول بقدر المستطاع التقليل من (فلاشات) الصورة الذاتية الخفية بمداومة الحراسة، وإنشاء مراكز السدود القضائية عن خفايا ممارساتنا غير الاجتماعية ولا الأخلاقية، وقد يلعب البعض منَّا مراهنة الكل للكل في أداء أدوار (كومبارس) المطالبة بأخلاق العناية الفضلى، وفي إنتاج بعض من المشاهد الفاتنة في البطولات الرمزية، والانكباب على ترميم الذات الداخلية وتلميع الخارجية منها، وسد فجوات الحياة غير المرئية للعيان.
القليل منَّا تُعجبه الذات العلوية في مشاهد مسلسل (الفقير والغني)، ويأبى بالجد المداوم على إخفاء زواحف العجز الفردية في الواقع، وتحمله لكل آهات المظلومية والفوارق. ومن الطبع الطيع أن يكون الضعفاء في فقرهم لقمة لحم سائغة المأكل عند الأقوياء، والنتيجة الحتمية فالأغنياء يأكلون الفقراء بملح وأنياب مصاصي الدماء، وهذا كله من بين الزوايا السوداء والخوف من المستقبل الباهت، والذي قد يترسخ حتى هو بعدم الانضباط لأسس العدالة العلوية، والكرامة الاجتماعية.
يقولون في الخطابات القديمة: “من الصمت نتعلم الحكمة” !!! و في الذكاء الاصطناعي الحديث يقولون: “من الصمت ينمو الاستبداد ويتمطط الذل والانكسار والاستكانة” !!! وهي الحقيقة الكامنة وراء فخاخ الصيد بالقتل في غابة الأقوياء !!! و ركوب مسلسل (الإغواء الماكر) ضمن بقايا المحركات الاندماجية بين الصمت الحكيم بالسلبية، وبين الثرثرة المفرطة في المدح وثناء النفاق !!!
لم أتشبث يوما بحقيبة الذكريات وتحذيراتها بأقفال الوصايا العشرة، فكلماتي في زواياها الخضراء تفضحني علانية، وتُوزع حروفها بين الألم المضني والفرح في حده الأصغر. فحين تساءلت عن تعريف الفرح وجدته في الاصطلاح يتوسط فترتين بين ألم حاضر وآخر يتربى بحجم إعصار الوجع في المستقبل !! لذا لا أفضل بتاتا صمت القهر والمقهور، وإنما أمنح البوح المباح لكلماتي قبل أن ينام شهريار النهار.
فحين ينفك عنِّي صمتي بالعصيان، والثورة عن المسكوتات الراسخة، أتساءل عند المخيلة المتفحمة: ماذا لو كنا مثل الطائرة حين نسقط أرضا، يبحث الخبراء عن علبتنا السوداء، ويتم تفكيك شفراتها لحظة بلحظة؟ !!! صمتي اليوم بدا يستفزني بخداع التصريح بالمخزونات الجريئة، والكشف عن ممنوعات الحياة الصامتة بالضرورة. قد يكون بحق السؤال الفلسفي مُحرجا : ماذا لو تم فتح علبة ذاكرتي ومُخزناتها السوداء بالنبش والتفتيت؟ !!! ماذا قبل مراسيم الدفن أن يتم فتح علبنا السوداء (أرشيف الذاكرة) في أسئلة حساب الدنيا قبل أسئلة حفرة القبر؟ !!!
بحق سيكون الفضح الناري الانشطاري وليس الافتضاح الجزئي، ومن الأكيد أن يبقى الكثير منَّا بلا تغسيل ولا دفن من شدة فزع خفايا المسكوتات اللاسوية!!! لأن الناس سيعرفون الحقائق البريئة والتي لا غبار نفاق فيها. لأن الجميع سيطلع على كل المسارات والممارسات ما صغر من خير حياتنا، وما كبر من شر ممارساتنا اليومية البينية. ستكون (العلبة السوداء) لكل منَّا تُماثلُ الصراط الفاضح في الدنيا قبل حساب ما حمله كتاب اليمين واليسار(الله يرانا/ رحم الله أحمد بوكماخ).