محسن الاكرمين
الجمعة 21 ابريل 2023 – 16:49
كنا نفرح يوم العيد بالسليقة ، ولازلنا ونحن كبار السن نسترجع فرح العيد في يوم إقباله بالفطرية وذهنية الطفولة. فرحة الصائم تماثل حجم العتق من وابل وويلات النار، بإذن رباني والتماس مداخل الجنة بالغفران والخلد. كنا نهرع بالسرعة طوافا بين أفراد العائلة والجيران، ونحن بلباس العيد الجديد البسيط، بلا تبختر ولا بذخ. كنا نقنص من فرحة الأسرة الصغيرة والكبيرة، دراهم معدودات تُحتسبُ بالريال الفضي.
كنا ونحن صغار السن، نتناول الحلويات بنهم ولذة، وكأننا نحن من صمنا رمضان بتمامه. كنا نتبع (النفار) وهو يدور بين المنازل لتلقي (فطرة) الصيام، كان (النفار) يلاعبنا بصوت مزماره الطويل، ومرات يَحْمِيهَا معنا لهوا بدقة عيساوية.
ذكريات من يوم العيد، وشموع ليلية الإفطار برحاب البيت الكبير لجدي (رحم الله من افتقدناهم)، والهرج والضحكات تدوي المكان. كانت عمتنا (رحمها الله) تحكي لنا حكايات من يوميات العيد عند الملوك وفي أبنية القصور المحصنة، وعند قاضي المدينة الفقيه البعاج والحاج الجنان، وتجعل منَّا نتصور عيش الترف في أبهى حلله الممكنة.
تغيرت الأجيال العمرية، وتغيرت عادات العيد، هرمنا وهرم معنا الفرح الفطري، ومرات تَركَنَا الألم والحزن على من فقدناهم يوم العيد الماضي بالقرب والبعد في متاهات المأساة. تغيرت العادات والبنيات داخل الأسر والبيوت، وبات التكلف في إحياء سنة العيد فيها مصل من الترف وعيش عقليات البرجوازية الحالمة والمتكلفة.
كانت الزيارة والعيادة لازمة، اليوم باتت مواقع التواصل الاجتماعي والفورية تحمل رسائل جافة من سرعة تهنئة قصيرة واردة قد تتشابه باللازمة بين زيد وعمرو. وكأننا اكتسبنا بالمداومة عيش التباعد الاجتماعي. بات العيد يشابه (البروتوكول) الرسمي، وقد تغيب عنه مقاصده الدينية والاجتماعية.
ونحن على مشارف يوم العيد (1444ه)، بحق جاء وهو لا يشابه مما مضى من الأعياد، فالتضخم المالي زاد من أزمة القوم المنهكين في الهشاشة، واستفحل الغلاء في غزو جيوب ومدخرات الأسر، وبات المواطن يشكو ربه في المواقع الاجتماعية ويمارس النضال على الشاشة الزرقاء.
جاء يوم عيد (1444ه) وكل متطلباته زاد بالضعفين وأكثر، ومن حسن ملامح المغاربة أنهم لا يبخلون عليك بالبسمة والفرحة، ولا يوزعونها بالمقايسة مثل حكومتنا الموقرة !! جاء يوم عيد (1444ه)، ودعاء الجميع (اللهم ارفع عنَّا وباء الغلاء، وارفع عنّا أسبابه، وقنا عذاب المضاربين والشناقة الشداد الغلاظ).
بين الماضي القريب واليوم، تغيرت عادات ونُظُم اجتماعية، ولازلنا نحن وفاء نبحث عن فرحة العيد الطيعة الكلية. لا زلنا نقتنص فرحات متقطعة حتى لا نستهلك الألم، ونسقط في همِّ الحياة المتآكل. فليكن الدعاء (اللهم بارك لنا في الأيام المتبقية. اللهم يسر خطواتنا وحياتنا ولا تجعلنا القانطين الخانعين رؤوسنا من شدة غلاء العيش. اللهم بلغنا نهاية العمر، ونحن لا محرومين من عفوك، ولا محرومين من العيش الكريم في بلاد الفوارق الاجتماعية. اللهم اجعلنا في كل أشهر السنة من المستغفرين، وبلغنا خير الأحوال وأفضلها).