محسن الاكرمين
الاثنين 19 فبراير 2024 – 17:24
حويدة الغياثية خربوشة
على نغمات عيطة خربوشة، استدار بمهل وهو يحمل ابتسامة طيعة ، ثم خاطب زوجته : هل تثقين بي؟ أنت أجمل امرأة رأيتها في حياتي مثل بسق شجر أرز الجبل الشامخ. لم تعلق الزوجة على غزل الصفوة الصادر من شريك حياتها، بل كانت لمسة مريحة على راحة يده. في تحرك السيارة عبر المنحدر الغائر شدت على يده بحرارة. حينها أحس برقة السعادة العرضية تكتنف دواخله بالتوهج، أحس أنه محظوظ في الحياة بلا مساحيق تجميل، وأن مسالك ويوان في تناغم مع فرحة حبهما بطريق صعود جبال الأطلس. كانت حويدة الغياثية أثناءها تستهل قولها الغنائي “باسم الله باش بدينا، يا ودّي على النبي صليت… يا وليدي كثروا في صلاته … راه هو لي سيشفع في أمته …” وكانت عجلات السيارة تقطع المسافة باتجاه أسول وقبائل آيت نوح نحو خنيفرة المدينة برفق السرعة .
اللي بغا اللامة يتعامى…
كان يسافر في بيئة موحا أوحمو الزياني ونارية قراراته المواطنة والتحررية. عند حافة الطريق المنحرف بالهاوية السحيقة، كان هنالك أطفال يتوددون السؤال، ومد الأيدي للوافدين بابتسامة بريئة ومليحة، كانت الحاجة مستعصية بالجبل ولن تجد حلا بلا وعي بأخلاق العناية. لحطتها نادت خربوشة غناء “واشْ الْـبْكَـا يْبَــّرْد الـكْلُـوبْ ؟… واشْ الْـبْكا يْـبَـَّرْد شِي نَارْ؟… احْرَارَتْ الــًشــعْــبَــة بـالــُّدخـَـانْ… حـَـسْ الْـمُــخْ تـَايْــتْشَـَوطْ…”. حينها أحس أن الكلام يعني الكل بالإفراد والجمع، يعني دولة الفوارق الاجتماعية والمجالية، وأن المشكلات باتت ” كَـْد الخَيْمَة والكرمة الكبيرة” وتستوجب إدارة تغيير ” آ يام، أيام القهرة والظلام”.
اليوم يردد إعادة مع الأغنية حويدة الغياثية بالتحوير “خرجوني عيوني نـشوف الجبال … وبقيت بالسرعة الخفيفة غادي … واللي بغا اللامة يتعامى… فين أيامك يا … أكلمام أزكزا … الما ولا كيف الحفنة !!!”. بين الجمالية والتهميش وسوء التدبير، لم يداوم فقط السماع إلى الخطاب النضالي لحادة الزيدية، بل كان يمسح النظر في عيون الزوجة الصامتة وهي تتفحص جوانب حافة الطريق التي تحمل عفة الجمال وظلم الكرامة.
آ يام، أيام القهرة والظلام
كان يبحث على فهم التاريخ الجمعي غير المدون بين السطور الفردية. كان حينا آخر، يفكر في التاريخ المنسي وغير المنسي بعيطة خربوشة. فيما كان غناء لكريدة يتابع بلطف العبارة وقوة الدلالة، ومع بداية كان يا ما كان تقول: “هزيت عيني ليك آربي… حطيت عيني وافرح قلب… باسم الله باش أبديت… آودي على النبي صليت… يا ودي كثرو في صلاتو… النبي شفيع اماتو… اذكر الله تصيب الله… عيطة المولى مقبولة…” حينها تمنت الزوجة استمرار سير حب حياتها معه بتمهل الثقة في سلام المستقبل.
كلام الناس حيط بلا ساس.
لم يقدر متابعة سماع ” صبر للومة وكلام الناس… كلام الناس حيط بلا ساس… ولا سماحة ليك آ الأيام…” حين استحضر ماضي الألم الضاغط على نفسيته بفوارق المكان وجمال جوانب الطريق الصغيرة. كان يلتزم التفكير في الذكريات التي تجيء ” واش هاذ الأيام البدالة… شي اعطاتو شي كلعت ليه “
.ركن سيارته يمينا وضم الزوجة بصدر العاشق وهو ينفض آهاته بوحا. كانت أغنية زروالة تزيد صدحا وكلما ناريا، كان التساؤل عن” واش عشاق الزين يموت ؟… وإلا اخيابت دابا تزيان… ودابا مول الحق يبان… اللي بغى اللامة يتعامى…” و “…والاباس ولاباس ولاباس…هاك الدق بلا قرطاس”.
حتى واحد فينا ما هاني.
كان يتابع سيره في تحرك السيارة الثاني لا يقدر الدّوس على ضاغط السرعة، كانت المنعرجات المتوجة نحو آيت نوح غائرة و تشد الناظر جمالا بالرفق… في ترابط الشجر السامق علوا، بات الظل مظلما، حينها قال ترديدا مع موسيقى الأغنية:” هزيت عيني ليك آربي… حطيت عيني وافرح قلبي…وكاع اللي بغى الله بغيناه …” ابتسمت الزوجة فرحة، وتابعت معه أغنية خربوشة ” حتى واحد فينا ما هاني… اللي تهرس هاالكرارس… واللي تحفى ها شربيلي… واللي تعرى ها سلهامي…آش درنا وآش عملنا ؟…آش من خاطر خسرنا؟”.
لم تتململ السيارة من المسافة قدما سريعا حتى لامست مرور” قايد العود بالمجدول” قالت رفيقة سفره بصوت كورال الرد” ولا حسدتوه ديرو كيفو… واللي بغاتو الأيام تديرو… هاز برادو في قبو… فين ما رشق ليه يكبو…”