انيسة الوردي -تاونات
الاثنين 22 شتنبر 2025 – 18:14
خرجت ساكنة جماعة بوعروس بإقليم تاونات في مسيرة احتجاجية على الأقدام متجهة نحو مدينة فاس، في خطوة تعكس حجم المعاناة التي يتخبط فيها المواطنون جراء غياب أبسط شروط العيش الكريم.
غير أن المسيرة، التي حملت شعارات تطالب بالحق في الخدمات الأساسية، توقفت بعد أن اعترضتها قوات السلطة، لتفتح النقاش مجدداً حول واقع التهميش الذي يرزح تحته الإقليم برمته.
المحتجون والمحتجات لم يخرجوا طلباً للكماليات، بل رفعوا أصواتهم للمطالبة بحد أدنى من الحقوق الأساسية:
بنية تحتية مهترئة: طرق غير معبدة تفصل القرى عن بعضها، وتتحول في فصل الشتاء إلى عوائق تعزل الساكنة عن العالم الخارجي.
قطاع صحي هش: مستوصفات محدودة التجهيزات، غياب أطباء وأطر صحية كافية، واضطرار المرضى لقطع عشرات الكيلومترات نحو فاس بحثاً عن علاج.
تعليم مهدد: مؤسسات تعليمية بعيدة ومتهالكة، نقص في النقل المدرسي والداخليات، ما يفاقم ظاهرة الهدر المدرسي خاصة في صفوف الفتيات.
خدمات أساسية غائبة: انقطاعات متكررة للماء والكهرباء، ومعاناة متواصلة مع ضعف التغطية وتدبير الموارد.
شباب مهمّش: غياب فرص عمل ومرافق ثقافية ورياضية، ما يدفع بالكثيرين إلى الهجرة أو مواجهة البطالة واليأس.
هذه الوضعية ليست استثناءً لجماعة بوعروس وحدها، بل تعكس صورة عامة لإقليم تاونات الذي يعاني منذ سنوات من غياب رؤية تنموية حقيقية، رغم غناه بالمؤهلات الطبيعية والبشرية.
الاحتقان الاجتماعي في تاونات يكشف كذلك فشل الفاعل السياسي في أداء دوره المؤسساتي والتأطيري، حيث بقيت الساكنة دون صوت حقيقي يدافع عن مطالبها داخل المؤسسات، ما ترك المجال مفتوحاً أمام المقاربة الأمنية كخيار أول لمواجهة الاحتجاجات، بدل اعتماد الحوار والحلول التنموية.
المطلوب اليوم هو حوار عقلاني ومسؤول بين الدولة والساكنة، بعيداً عن لغة المنع والاصطدام، وبناء تعاقد اجتماعي جديد يعيد الثقة للمواطنين. فالوطن للجميع، وجرح التهميش لم يعد يحتمل التأجيل في ظل هذه الظروف الدقيقة.
إن ما وقع في بوعروس ليس سوى إنذار جديد بأن صبر المواطنين بدأ ينفد، وأن الحل لا يكمن في إسكات الأصوات، بل في تلبية المطالب المشروعة عبر مشاريع تنموية حقيقية تحفظ الكرامة وتحقق العدالة المجالية.
نداء إنساني
بصفتي أستاذة وكاتبة، وبصفتي ابنة هذا الوطن، لا يسعني إلا أن أعبّر عن تضامني المطلق مع ساكنة بوعروس وإقليم تاونات.
إن معاناتهم اليومية هي جرح في جسد المغرب العميق، وصرختهم ليست سوى مطالبة مشروعة بحقوق أساسية كالتعليم والصحة والكرامة.
أرجو من السلطات أن تصغي إلى هذا الصوت الجماعي الصادق، وأن تتعامل معه بالعقلانية والحكمة، بعيداً عن المقاربة الأمنية الضيقة. فالوطن لنا جميعاً، ولا يمكن أن يكون قوياً إلا إذا نهض بأبنائه في كل المناطق دون استثناء.