بقلم عادل بن الحبيب
الثلاثاء 12 مارس 2024 – 13:00
تعد جريمة الاتجار بالبشر ثالث أكبر تجارة إجرامية في العالم بعد المخدرات والسلاح غير المشروع، وتعتبر انتهاكا جسيما لحقوق الإنسان، باعتبارها جرائم ضد الإنسانية وجرائم “العبودية المعاصرة” لكون الشخص المتّجر به تمارَس عليه السيطرة من خلال معاملته كشيء ممتلَك تنزع منه كرامته الإنسانية،و يسلب منه وقراره واختياره في الحياة، الاتجار بالبشر وفقا لبروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالبشر هو تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها والاختطاف والاحتيال والخداع واستغلال السلطة واستغلال حالة الاستضعاف أو بإعطاء وتلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال.
الأشكال التي تتم بها هذه الجريمة هي أشكال الاستغلال الجنسي، العمل الجبري، الاتجار بالبشر بغرض نزع الأعضاء أو التسول القسري، أي صورة للعمل الجبري وأي صورة للعمل تحت التهديد أو العمل الذي يتم فيه استغلال ضعف الشخص عن علم، كلها صور للاتجار بالبشر.وتشكل بعض الفئات هدفا أساسيا للمتاجرين بالبشر كأولئك الذين يفتقرون إلى الوضع القانوني أو الفقراء، أو الذين يفتقرون إلى التعليم أو الرعاية الصحية، أو العمل اللائق، أو الذين يواجهون التمييز أو العنف، أو الإساءة، أو الذين ينتمون إلى فئات المجتمع المهمشة،إذ تعاني منها أساسا فئة المهاجرين والنساء والأطفال .
المغرب انخرط بشكل كبير في المنظومة الأممية لحقوق الإنسان، و يبذل جهودا كبيرة لمكافحة الاتجار بالبشر، وذلك من خلال أجرأة قانون 14-27 المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر، حيث تم إحداث لجنة وطنية لتنسيق إجراءات مكافحة الاتجار بالبشر والوقاية منه سنة 2018. كما تم اتخاذ عدد من التدابير والآليات، في مقدمتها الاجراءات القضائية التي تسعى لضمان حماية ضحايا الاتجار بالبشر، ولاسيما الحرص على عدم مواجهة الضحية بالمتهم، وعلى إشعار الضحايا بحقهم في تنصيب أنفسهم طرف مدني أو بالاستماع إليهم كشهود، وعلى جعل الجلسات أكثر سرية، وكذا تمتيع الضحايا بالمساعدة القضائية.
إضافة الى تعيين مخاطب وحيد على صعيد المحاكم لتتبع قضايا الاتجار بالبشر، ووضع قاعدة بيانات خاصة بقضايا الاتجار بالبشر وبالقرارات الصادرة بشأنها. وهناك أيضا إحداث وحدة على صعيد رئاسة النيابة العامة متخصصة في تتبع قضايا الاتجار بالبشر .
وقد عمل المغرب كذلك على إحداث شبكة لنواب الوكلاء العامين للملك على صعيد محاكم الاستئناف متخصصة في قضايا الاتجار بالبشر.
و يظهر التقرير الأول للجنة الوطنية أنّ عدد قضايا الإتجار بالبشر بالمغرب عرف ارتفاعا ملحوظا تجاوز %200 بالنسبة لسنة 2018، و%96 بالنسـبة لسـنة 2019. كمــا بلــغ عــدد الأشخاص المتابعين 585 بين راشد وقاصر، و84 من الأجانب و144 من الإناث.
في نفس السياق، أكّدت المعطيات الإحصائية التي قدّمها التقرير أن عدد ضحايا الاتجار بالبشر عرف بدوره تزايدا مهما خلال السنوات الثلاث الأخيرة، حيث بلغ 719 ضحية منهم 414 من الضحايا الذكور، و305 من الضحايا الإناث، علما أن عدد الضحايا المغاربة بلغ 536 مغربيا وعدد الضحايا القصر 192.
وبخصوص أشكال الإتجار بالبشر، يلاحظ أن الاستغلال الجنسي يبقى أكثر صور الإتجار بالبشر شيوعا بالمغرب حيث بلغ عدد حالاته 283 حالة، يليه الاستغلال في التسوّل ب 56 حالة، ثم السخرة ب 35 حالة، بالإضافة إلى باقي الصور الأخرى للإتجار بالبشر والتي توضح في إجابات الجهات المعنية مما يجعل إعداد قاعدة بيانات وطنية دقيقة مسألة حتمية للوقوف على الإتجار بالبشر.
وبخصوص الأحكام القضائية الصادرة إعمالا لقانون مكافحة الإتجار بالبشر، سجّل التقرير وجود ميل إلى تجنيح بعض الأفعال أو تمتيع المشتبه في ارتكابها لظروف التخفيف، إذ أن حوالي 40% صدرت في حقّهم عقوبات تقلّ مدتها عن 5 سنوات، وهي المدة المحددة للجنح، علما أن غالبية جرائم الاتجار بالبشر هي جنايات تفوق مدة عقوبتها 5 سنوات. كما أظهر نفس التقرير أن غالبية العقوبات المحكوم بها هي عقوبات سالبة للحرية، مع تسجيل عدد محدود من تدابير الحماية.
و من أهـم الإكراهـات والتحديـات المطروحـة في محاربة جريمة الإتجار بالبشر، نجد إشكالية التكييف والتعرف على الضحايا،
حيث وقف التقرير على معطى أساسي مفاده وجود تفاوت في تعامل المحاكم مع جرائم الإتجار بالبشر وهو ما يظهر من خلال اختلاف “المحاكم” في إعمال سلطة تكييف الأفعال. وقد أرجع التقرير ذلك إلى خصوصية جريمة الإتجار بالبشر كجريمة مركّبة، تجمع في عناصرها التكوينية مجموعة أفعال مجرّمة بدورها كجرائم مستقلّة، من قبيل جرائم التسوّل أو الاستغلال الجنسيّ. وهنا تكمن ضرورة مراجعة القانون الجنائي بهدف إعادة النظر في مجموعة من الجرائم التي تحتمل أكثر من وصف قانوني، من قبيل جرائم استغلال الأشخاص في الدعارة أو البغاء أو التسول والتي تعدّ في جوهرها جريمة إتجار بالبشر متى اجتمعت أركانها المتمثلة أساسا في الفعل والوسيلة والهدف المتمثل في نية الاستغلال.
في نفس السياق، توقّف التقرير على صعوبة ثانية تواجه عملية التعرّف على الضحايا، وإعمال تدابير الحماية في حقهم، ومتابعة تنفيذ إعمال هذه التدابير، التي تبقى حديثة العهد على المنظومة الجنائية كمنظومة ظلّت لعدة سنوات تهتمّ بالمقتضيات المتعلقة بالتجريم والعقاب أكثر من اهتمامها بالجانب الحمائي.
من الضروري تحليل هذه الجرائم من مختلف جوانبها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية…وكذا توحيد التعريفات التي تتعلق بهذه الجريمة وتشجيع الضحايا على الخروج عن صمتهم وتحسيسهم بالأمان والحماية ليساهموا في فضح هذه الجريمة ومحاصرتها، بالإضافة إلى ضرورة تعزيز قدرات منظمات المجتمع المدني ومن خلالها آليات الترافع المدنية، بالتركيز على المتدخلين في الصفوف الأمامية لمكافحة هذه الجريمة للوصول إلى فهم مشترك للبناء القانوني لها، وكذا تسهيل تأسيس جمعيات متخصصة في المجال.
و بذل جهود أكبر على صعيد التوعية من خلال الاستمرار في التعريف بجريمة الإتجار بالبشر وتعزيز قدرات السلطات المكلفة بإنفاذ القانون، والانفتاح على الجامعات وإعداد دلائل عملية، والاستفادة من التجارب الفضلى المقارنة، والاستعانة بدور الإعلام في رفع منسوب الوعي لمواجهة ظاهرة الإتجار بالبشر وإذكاء ثقافة التبليغ ونشر الوعي بتواجد تدابير للحماية كفيلة بحماية الضحايا والشهود والمبلغين.