آخر الأحداث

قلعة السراغنة..بين أسنان الحديد.. آلة الدرس تبتلع أحلام مزارع.

صدى المغرب11 يوليو 202523 مشاهدة
قلعة السراغنة..بين أسنان الحديد.. آلة الدرس تبتلع أحلام مزارع.

صدى المغرب-محمد الحجوي

الجمعة 11 يوليوز 2025-13:24

في لحظةٍ لم تكن تتوقعها أرض الدشرة السمراء، تحولت آلة الدرس من أداةٍ تُنعش الأرض إلى وحشٍ مفترس، ينهش جسد “ع.ب.د” (48 ربيعاً) ويبتلع ساقه في غمضة عين.

الحادثة المروعة، التي هزت دوار الدشرة (جماعة الدشرة، قيادة أولاد بوعلي)، لم تكن مجرد صدفة عابرة، بل فصلاً دامياً من فصول الإهمال المتكرر في حقول المغرب.

وسط حقول القمح الذهبية، حيث يُفترض أن تكون آلات الحصاد مصدر رزق، تحولت آلة الدرس القديمة إلى آلة موت. انهار “ع.ب.د” بين أسنانها الحديدية، بينما كان الدم يسيل غزيراً، مُحوِّلاً سرواله إلى خرقة ممزقة تلخص قسوة اللحظة. الأهالي، الذين هرعوا لانتشاله من بين أسلاك الآلة المتحركة، لم يتمكنوا إلا من نقل جسده المنهك إلى مستشفى السلامة، حيث وقف الأطباء عاجزين أمام ساقٍ مُبتورة، وأسرةٍ فقدت عائلها القوي فجأة.

الحادث لم يكن الأول، ولن يكون الأخير. ففي القرى المغربية، حيث تعمل الآلات الزراعية بعمرٍ أطول من عمر مستخدميها، وتُهمل الصيانة تحت ضغط الفقر واللامبالاة، تصبح كل آلة قنبلة موقوتة. التساؤل الأكثر إيلاماً: لماذا تظل تشريعات السلامة المهنية في الحقول حبراً على ورق؟ ولماذا لا تُجرى عمليات تفتيش دورية لضمان صلاحية هذه الآلات؟

رغم الصدمة، لم يتخلَّ أبناء الدشرة عن “ع.ب.د”، الذي كان عماداً لأسرةٍ تعتمد على قوته اليومي. تدفقت التبرعات العفوية لتغطية نفقات علاجه، لكنها تبقى مجرد مسكنٍ مؤقت لألمٍ دائم. فالساق المبتورة لن تعود، والأسئلة تظل معلقة: أين دور التعاونيات الفلاحية؟ وأين برامج التوعية بمخاطر الآلات الزراعية؟ وأين التأمين الإجباري للعاملين في الحقول؟

مأساة “ع.ب.د” ليست سوى حلقة في سلسلة حوادث مماثلة تتكرر كل موسم حصاد. ففي قرى المغرب، تُقاس السلامة بـ”قدر الله” وليس بالتدابير الوقائية. فكم من مزارعٍ يجب أن يفقد ساقه أو حياته حتى تُفعّل القوانين؟ وكم من أسرةٍ يجب أن تدفع ثمن الإهمال؟

“الحديد لا يرحم.. لكن الإنسان يجب أن يرحم أخيه الإنسان”. آن الأوان لتحرّك جاد يُنهي هذه المآسي. فلنكن صوت “ع.ب.د” وكل المزارعين الذين تحولت آلاتهم إلى أدوات موت. فلنطالب بــ:

تشريعات صارمة تلزم الصيانة الدورية للآلات الزراعية.
تأمين إجباري للعاملين في القطاع الفلاحي. **حملات توعوية مكثفة لتجنب المخاطر.
مساءلة المتسببين في حوادث الإهمال.

فهل ننتظر أن تتحول كل آلة إلى مقصلة؟ أم أن كرامة المزارع المغربي تستحق أكثر من ذلك؟