محسن الاكرمين
الثلاثاء 04 يونيو 2024 – 19:13
من البديهيات الحتمية تلك الخلطة غير المتجانسة بين البحث عن حلم السعادة وتجاوز حلبة مصارعة المشكلات. فقد يكون استحضار البحث عن جزئيات جودة الحياة متاهة لا مخرج منها إلا بمناولة سياسة الحمق ، وقد يَكْمُنُ السبب في غياب البحث الحقيقي عن معنى جديد للحياة، ومن هذا ينبغي البدء بتحديد الأجزاء المتقطعة من عمر السعادة التي تهرم مع أعمارنا في مسارات همِّ الحياة.
مرات عديدة قد نبدو مثل ابن العتاهية حين ّأحبَّ الشُّهرة ومُصاحبة الأمراء وقشدة القوم، لكن لعنة ابن الفخار، والموصوف بالأحمق المعتوه بقيت تلحق لزاما، رغم أنه كان حريصا على إعادة إنتاج ذاته على نحو أفضل بالأدب البلاغي و(النخوة). فالنجاح والتطور مرافقان للحياة نحو سكة نهاية العمر، لكن لعنة ابن الفخار لم يتم هضمها. فحين سأل الابن أباه: متى يمكن لنا يا أبي أن تُحْتَسَبَ عائلتنا من الشرفاء، وننال نصيبنا من صندوق القبة الخضراء؟ أجاب الأب وغصة يعقوب (عليه السلام) تلتصق بحلقه: حتى يموت يا ابني كل من يعرف أصلنا وفصلنا !! لكن، قربان الحياة ميز بين هابيل وقابيل فاقتتلا، وكانت سلالة الشريف من قربان الدم، والحطة من القوم بالتبعية من قرابين نبات الطبيعة.
زُهْدُ أبا العتاهية وبحثه عن معنى جديد للحياة، كسر الحلقة الجحيمية لأفكار ابن الفخار وطهر جسمه الذي كان يغرق حد قدميه في الطين. وبات ابن الفخار يمتلك أفكارَ مَنْ جايلوه من علية القوم وأهل الحل والعقد. نعم، عِلم ابن العتاهية بقيمة الروحانيات النفسية، والزهد في ذات الحياة، والأفعال، اكتسب بعدها جزءا من السعادة، وجرعة من الحقيقة المنعشة، وهذا ما ينقصنا في حياتنا الفردية والجماعية من تماثل تغليب التمكين الذاتي عن تمكين السيطرة الفجة.
فالحلقة الجحيمية التي تكرر نفسها من جيل لآخر كثقافة حين نعيش القلق بكل ما يتعلق بنقاشات القلق نفسه، والذي ينتابنا مرات بالتقطع و مرات عديدة بالتماسك. ذاك القلق المزدوج والمتكرر، والآتي من متاهات همِّ الحياة المتفاقم. فالقلق تدمير نووي حديث مُصْطَنع لقتل حياة الحياة، وقد يسحق الذات ويزيد من مجمل عذاب الضمير (الأنا العليا). فتقدير الذات السوية والتي لا توازي ابن العتاهية، نفتقده بمقاييس غير عادلة حتما، فقد تتعرق راحة اليد، ونحن من شدة البرد تصطك أسناننا بالاهتزاز. فالقلق والخوف يزيد من شدة الإحساس الفراغ، و من مساوئ الحياة البائسة. إنها بحق الرؤية التي تبحث عن المنطقة الوسطى ما بين الجنة والنار، والتي حتما لا زمن ولا مكنا جغرافي لها.
قد تكون الاستنارة الروحية، تماثل السلة الفخارية الممتلئة بالمفاجآت الباسمة والوردية والقابلة للتكسير في لحظة من شعلة القلق. قد نرفض عقل العاقل عندما يغير ذاته لكي يتلاءم مع مجالس الأمراء والخلفاء مثل ابن العتاهية، فقد لبس الحرير وكان بين الأمراء شخصا أنيقا، لكن ابن الفخار ظل الطين المحروق يلاحق تلابيب حريره المتدلي أرضا. فيما الأحمق بالهراء والرعونة فهو يؤمن بتجنن السليقة، ويتعرى أمام الناس عري الولادة، ويثقن فن اللامبالاة الذكي أما مجمع الأمراء، فهو يعيش حقيقة مخاتلة الخداع والمراوغة مع حقائق الحياة الطريدة، الذي يؤدي للجحيم على أكف يديه. لكن الأحمق، بحق يبقى ذكيا من العاقل حين يريد تغيير معنى حياة العالم، لكي يتلاءم مع مصفوفات عقله الذي يكره كل الكره، و هو يرى في التفكير الساذج وغير الناضج سمة صوفية جديدة من العولمة المقيتة.
أنت وأنا ونحن، قد لا نحاول أن نفرض تقديرا للذات السوية بشكل مرتفع، فالناس لا يوزعون الإعجاب إلا على التفاهة والتافهين. ما يهم مع العمر المتقدم، العمل بسياسة الفرز والحمية. فيما التقدير التضخمي للذات، فقد لا يغني عن تعرية السلبيات أمام أعين الناس المتلهفة للنقد والتدمير ،ومد الأصبع الوسطى للتنقيص. فغياب تحديد معنى للحياة وطعمها اللذيذ، أسقط ابن العتاهية، وقد يسقطنا جميعا عند متاهة تضييع تناسق الحياة بين الخير الخيِّرِ، وسحق الشر في محور شر الشيطان في الأرض السفلية