آخر الأحداث

الدبلوماسية المغربية..نحو مقاربة متجددة لمواجهة تحديات عالم متغير

هيئة التحرير26 ديسمبر 20241 مشاهدة
الدبلوماسية المغربية..نحو مقاربة متجددة لمواجهة تحديات عالم متغير

ذ.نجيب الأضادي 

الخميس 26 دجنبر 2024 – 19:16

شهد العالم العربي، خلال العقد الماضي، ما عُرف بـ”الربيع العربي”، حيث اهتزت العديد من الأنظمة السياسية في المنطقة تحت ضغط انتفاضات شعبية مفاجئة وسياسات مُلتبسة من القوى الكبرى، أطلقت عليها مُنظّروها اسم “الفوضى الخلاقة”. هذه الأحداث كانت تهدف، صراحةً أو ضمناً، إلى إعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بما يخدم استراتيجياتها الدولية، في إطار ما عُرف بـ”مشروع الشرق الأوسط الجديد”.

لكن، بخلاف التوقعات السائدة، تمكن المغرب من تقديم نموذج مختلف ومغاير في التعامل مع هذه الأحداث العاصفة. فهو لم يكتفِ بتجنب السقوط في دوامة الفوضى، بل عمد إلى تحويل الأزمة إلى فرصة للإصلاح الشامل والتنمية المستدامة. هذا الإنجاز لم يأتِ صدفةً، بل هو نتيجة لعوامل مركبة، على رأسها خصوصية النظام السياسي المغربي، وقوة ملكيته المتجذرة تاريخياً وثقافياً وروحياً، وهو ما جعل المغرب يتمايز في مقاربته لإدارة الأزمات الداخلية والخارجية.

الملكية المغربية:صمام أمان

تمثل الملكية بالمغرب ركناً أصيلاً من النظام السياسي والاجتماعي، إذ تستند إلى أربعة مرتكزات أساسية:

#الشرعية_التاريخية: المغرب أقدم دولة في المنطقة، يمتلك مؤسسات ذات جذور تمتد عبر القرون، واستقلالية مميزة في قراراته وسياساته.

الشرعية الدينية والروحية: تتمثل في إمارة المؤمنين التي تمنح الملك سلطة دينية تُوحد المغاربة وتؤكد عمق هويتهم الإسلامية.

الشرعية الدستورية و القانونية: حيث يتجلى التوازن بين السلطات واحترام المؤسسات الديمقراطية.

الشرعية الشعبية والتنموية: من خلال ارتباط الملكية بإرادة الشعب وتحقيق تطلعاته عبر برامج إصلاحية وتنموية طموحة.

الدبلوماسية المغربية: من التأصيل إلى التجديد

تمكنت الدبلوماسية المغربية، في العقود الأخيرة، من التموقع كواحدة من أكثر السياسات الخارجية مرونة وفعالية. ورغم الظروف الدولية الصعبة والتحديات الإقليمية، نجحت هذه الدبلوماسية في بناء علاقات متوازنة مع مختلف القوى العالمية الكبرى: أوروبا، أمريكا، روسيا، والصين، دون الوقوع في شرك الاستقطاب السياسي أو التبعية لأي طرف.

إنَّ “دبلوماسية التوازن”، أو ما يُمكن تسميته بـ”يقظة المصالح”، شكلت الركيزة الأساسية للتوجه الخارجي المغربي. فبدلاً من الارتهان لأطراف معينة، فضّل المغرب تنويع شركائه الاستراتيجيين مع الحفاظ على سياسة داخلية ثابتة تُعزز الوحدة الترابية والاستقرار السياسي.

الصحراء المغربية: معركةالوعي الدبلوماسي

ظل ملف الصحراء المغربية أولوية قصوى في السياسة الخارجية المغربية، حيث استثمر المغرب أوراقه الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية لصالح قضيته الأولى. وقد شهدت السنوات الأخيرة مكاسب هائلة، أبرزها اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، إضافة إلى الدعم المتزايد من دول إفريقية وعربية وأوروبية لهذا الموقف.

هذه النجاحات لم تكن بمعزل عن الجهد المبذول في تقوية الحضور المغربي داخل المنظمات الدولية والإقليمية، واستثمار التغيرات الجيوسياسية الراهنة بما يُعزز موقف المغرب في مختلف المحافل.

المغرب لاعب دولي صاعد

إن استضافة المغرب لعدد من الأحداث الدولية الكبرى في السنوات المقبلة، تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس، تعكس المكانة المتصاعدة التي أصبح يحتلها على الصعيد العالمي. فالمغرب، بفضل موقعه الجيوسياسي الاستراتيجي، وحضوره في القارة الإفريقية، وبنيته التحتية المتطورة، يمثل بوابة مثالية للتعاون بين الشمال والجنوب، والشرق والغرب.

ختاماً، تمكنت الدبلوماسية المغربية من تحويل التحديات إلى فرص، ووضعت المغرب في مصاف اللاعبين الدوليين المؤثرين.

هذا التميز لم يكن نتيجة صدفة، بل ثمرة رؤية استراتيجية متجددة تجعل المصلحة الوطنية هي الهدف الأسمى. وما تبقى، كما يقول الحكماء، “تفاصيل دبلوماسية”.