تاونات-يونس لكحل
الاثنين17فبراير2025_10:12
في مختلف أنحاء المملكة ، تقدم بعض الجماعات الترابية نموذجًا حيًا للتطور والتنمية، حيث يسجل رؤساء مجالس جماعات ترابية تقدمًا ملحوظًا بفضل الإرادة السياسية العالية، والتنسيق التواصلي القوي مع السلطات الإقليمية والقطاعات الوزارية الحكومية والمؤسسات العمومية والمجالس المنتخبة على مختلف مستوياتها ،هؤلاء الرؤساء حققوا نجاحات كبيرة من خلال العمل الميداني والإهتمام المباشر بقضايا المواطنين، مما جعل العديد من الجماعات تتحول إلى أوراش مفتوحة ومراكز للنمو على المستويين الإقتصادي والإجتماعي ، ببنية تحتية جيدة ومشاريع تنجز على أرض الواقع .
وفي الجانب المقابل هناك جماعات أخرى لا تزال تعاني من قلة الإنجازات، حيث تسير وفق وتيرة بطيئة ولا تحظى بالإهتمام المطلوب من قبل مسؤوليها ولا تكاد تسمع لها ولا لمجلسها ولا حتى وجود لها في الساحة !! . فما الذي يميز بين هذه الجماعات ؟ وما هو الفرق بين الذين نجحوا في تحقيق إقلاع تنموي تؤكده الوقائع ، والذين لا زالوا في ذيل مؤشرات التنمية غائبين ، وهذه الجماعات المتأخرة ما إن تدخل لها حتى تتأكد انك في الزمن المتوقف ولا حاضرا
أبدا …. فما الفارق وما الأسباب !!؟
الأكيد أن رؤساء بعض الجماعات في جهة فاس مكناس تمكنوا من إحداث نقلة نوعية في مناطقهم عبر التفاعل المستمر مع الساكنة، وتوفير بيئة ملائمة لمشاريع تنموية فعلية، بحيث تميزت هذه الجماعات بالتركيز على المشاريع التي تهم المواطن بشكل مباشر ، مثل مشاريع البنية التحتية لمركز الجماعة الترابية و فك العزلة عن الدواوير النائية ، وتوفير الماء الصالح للشرب ، وإنجاز ملاعب للقرب بالعشب الإصطناعي، وإخراج بنية صحية وتعليمية جيدة ومرافق أخرى … وكل هذه المشاريع جاءت في إطار رؤية إستراتيجية شاملة تهدف إلى تحسين ظروف عيش المواطنين بالمجال القروي والنهوض بالبنية التحتية الأساسية ببرامج عديدة، كان ( المحرك ) بوجود فاعل سياسي منتخب دينامي تواصلي يستمع ويستشير ويقرر وينفذ، بوجود أطر إدارية بالجماعة مؤهلة لها نية خدمة الصالح العام …، فلم تقتصر الإنجازات على تحسين الخدمات العامة فحسب، بل شملت أيضًا تعزيز روح التواصل بين المسؤولين والمواطنين، حيث أظهر رؤساء هذه الجماعات دينامية عالية في الترافع والتنسيق مع مختلف الجهات الحكومية، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الجهوي أو الوزاري، بفضل خلق الشراكات مع السلطات الإقليمية والمجالس الإقليمية وجهة فاس مكناس ، إضافة إلى التنسيق مع الوزارات المعنية بالقطاعات المختلفة، مثل الإسكان والتعمير والتعليم والشباب والرياضة والتجهيز والماء والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية – اللجان الإقليمية- ووكالة تنمية المناطق الشمالية ، مكن كل ما سبق هذه الجماعات من تحويل الأفكار إلى واقع ملموس من خلال جلب الإعتمادات المالية لإقامة تلك المشاريع …
لكن في المقابل، لا تزال هناك جماعات ترابية تعاني من غياب الإرادة الفعلية والمخططات التنموية الواضحة . هذه الجماعات تجد نفسها في مواقع متأخرة مقارنة مع غيرها، وذلك بسبب تراجع مستوى الأداء التسييري والتدبيري لديها وعلى جميع الأصعدة، بحيث يغيب عن هذه الجماعات التخطيط الإستراتيجي والتواصل الفعال ، مما يساهم في تمظهر حالة من – الإنغلاق والإنعزالية – للجماعة عن محيطها بمستويات مختلفة ، وقد يكون هذا ( الإنغلاق) إرادي مرغوب من أطراف سياسية ما، تفضل إستمرار وضع غياب التنمية أملا في الحفاظ على سيطرتها بمجالات إقتصادية خاصة بها داخل المجال الترابي للجماعة، فهناك من يخاف من التنمية والتطور لأنهما قد يهددان مصالحه الخاصة وهذه حقيقة وليست مزحة !! ..
والأكيد في كل ذلك أن غياب الإرادة السياسية لدى بعض المسؤولين المتخبين يحول دون إستغلال الإمكانيات المتاحة بالشكل الأمثل، مما يساهم في إستمرار حالة الركود التنموي ، فغياب التنسيق بين هذه الجماعات والسلطات المحلية والإقليمية أو غياب التفاعل مع القضايا يساهم في تأخير تحقيق تنمية حقيقية لتلك الجماعات …
ومن خلال المقارنة بين الجماعات التي تتغير للأفضل والجماعات المتعثرة، يتضح أن النجاح في مجال التنمية الترابية المحلية يعتمد بشكل رئيسي على وجود إرادة سياسية قوية وتخطيط إستراتيجي، بالإضافة إلى عمل ميداني تواصلي مستمر وفاعل عبر وضع البرامج وتسخير الإمكانات ، والترافع بمسؤولية وبمرجعيات توافقية تشاركية خدمة للصالح العام … فهل يمتلك الكل هذه القدرات ،بالطبع لا ، فوجب إذن حسن الإختيار للرؤساء في قادم الإستحقاقات الإنتخابات …