عادل بن الحبيب
الجمعة 23 ماي 2025 – 14:44
دخل المغرب مرحلة جديدة في إصلاح منظومته الجنائية، مع اعتماد القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة، والذي سيبدأ تطبيقه فعليا خلال شهر غشت المقبل، وفق ما أعلن عنه رئيس الحكومة في بلاغ مجلس الحكومة المنعقد بتاريخ 22 ماي 2025. ويأتي هذا القانون كخطوة استراتيجية ضمن ورش شامل لإعادة هيكلة السياسة الجنائية، وتخليص العدالة من حمولتها الزجرية الصرفة، وإرساء ممارسات أكثر إنسانية ونجاعة.
القانون 43.22، الذي سيدخل حيز التنفيذ في غشت المقبل، يستحدث ثلاث صيغ بديلة عن الحبس في حالات معينة،أداء عمل لفائدة المنفعة العامة، وأداء غرامة مالية تحتسب عن كل يوم كان يمكن قضاؤه في السجن، بالإضافة إلى تقييد بعض الحقوق أو فرض التزامات رقابية على المحكوم عليه. هذه الصيغ لا تطبق بشكل اعتباطي، بل يشترط أن تكون العقوبة الأصلية المحكوم بها لا تتجاوز سنتين حبسا نافذا، وألا يكون المعني بالأمر من ذوي السوابق، وأن يظهر خلال المحاكمة أو بعدها سلوكا يدل على قابلية للإصلاح.
من أبرز أهداف هذا القانون تخفيف الضغط على المؤسسات السجنية، التي تعاني من اكتظاظ مزمن أضعف قدرتها على التأهيل والإدماج ، كما يسعى إلى إحداث تحول في الفلسفة العقابية، بحيث تمنح الأولوية للإصلاح المجتمعي والمساهمة الإيجابية بدل العزل والانقطاع عن المحيط الأسري والمهني، ويمكن من الحفاظ على روابط الأسرة والعمل، ما يعزز فرص عدم التكرار (العود)
الفئات المستهدفة بشكل رئيسي من هذا القانون تشمل الشباب والأحداث، والنساء، وخاصة الأمهات أو المعيلات، بالإضافة إلى الأفراد الذين ارتكبوا جنحا بسيطة دون استعمال العنف أو المساس بأمن الدولة أو المواطنين. هؤلاء تعتبر قابليتهم للاندماج من جديد داخل المجتمع مرتفعة، ويمكن أن يستفيدوا من العقوبات البديلة باعتبارها فرصة ثانية دون وصمة السجن.
كما ينظر إلى هذا القانون كترجمة واقعية لالتزامات المغرب الدولية، خصوصا في مجال حقوق الإنسان، وتوصيات الهيئات الأممية الداعية إلى الحد من الحبس في الحالات غير الخطرة.
الحكومة المغربية أكدت أن تطبيق القانون سيتم وفق ضمانات قانونية واضحة، ومن خلال مرسوم تنظيمي يحدد بدقة كيفيات التنفيذ والمراقبة، بما يضمن المساواة في الاستفادة ويمنع أي انزلاقات محتملة في التطبيق.
رغم الإشادة الواسعة التي حظي بها القانون رقم 43.22، إلا أن مخاوف عدة برزت في الأوساط القانونية والحقوقية، لا سيما فيما يتعلق بمرحلة التطبيق والتنزيل العملي. من بين هذه المخاوف، تثار مسألة التمييز في الاستفادة من العقوبات البديلة، حيث يخشى أن تطبق هذه الصيغ التخفيفية بشكل انتقائي،
كما يرون فيه خطرا على مبدأ الردع الذي يفترض أن تحققه العقوبة الجنائية. فهناك من يعتبر أن بعض الجناة قد يستسهلون العقوبة إن علموا أن السجن ليس خيارا إلزاميا، كما يطرح تساؤل مشروع حول قدرة الدولة على ضمان مراقبة فعالة لتنفيذ هذه العقوبات خارج أسوار السجن، خاصة ما يتعلق بالعمل لفائدة المنفعة العامة، وتقييد الحريات، مما يتطلب بنيات إدارية، وموارد بشرية، وآليات تتبع دقيقة. في غياب ذلك، قد تتحول العقوبات البديلة من فرصة إصلاح إلى مجرد إجراء رمزي يفرغ العقوبة من مضمونها الردع.
إن العقوبات البديلة لا تعني التراخي، بل تعني التفكير في مستقبل الأفراد والمجتمع على السواء. فعدالة اليوم لم تعد تقتصر على القصاص، بل صارت تقاس أيضاا بقدرتها على إصلاح الإنسان وتمكينه من العودة إلى المجتمع دون أن يكون عبئا عليه. القانون 43.22، في هذا السياق، هو مشروع واعد لعدالة توازن بين الحزم والرحمة، بين الزجر والإدماج. هي ليست عقوبة مخففة بقدر ما هي آلية تؤدي إلى نوع من “الرد الاجتماعي”، حيث يتحمل المخطئ مسؤولية خطئه بطريقة نافعة.