يونس لكحل-من تاونات
الاثنين30يونيو2025-14:43
لم يكن نهائي كأس العرش لكرة القدم بين فريقي نهضة بركان وأولمبيك آسفي حدثًا رياضيًا خالصًا هذا العام، بل تحول إلى ساحة لجدل واسع تجاوز المستطيل الأخضر بكثير. فما أثار الضجة هذه المرة لم يكن الأداء الكروي أو النتيجة النهائية، بل حضور الجماهير وتفاصيل استقدامهم. فقد تداولت مقاطع فيديو لمشجعين حضروا لدعم الفريقين، مصرحين بأنهم تم جلبهم من ضواحي مدينة فاس عبر حافلات خصيصًا لتشجيع فريق نهضة بركان . هذه القضية أُعطيت أبعادًا أكبر من حجمها الطبيعي، مما جعلها تثير تساؤلات حول طبيعة الصراع السياسي في المنطقة، ومدى استعداده لاستغلال أي حدث، مهما كان بسيطًا، لتحقيق مآرب لا علاقة لها بالرياضة.
فللوهلة الأولى وبكل تحليل بسيط ، تبدو هذه الضجة وكأنها “جعجعة بلا طحين”. فالفرق والنوادي الرياضية، تتمتع بحقها الكامل في دعم وتشجيع ما تراه مناسبًا، بما في ذلك توفير التسهيلات اللازمة لجلب المشجعين . لأن فكرة أن تقوم جهة ما، سواء كانت ناديًا رياضيًا أو حتى فردًا من ماله الخاص، بتوفير وسائل نقل لجلب المشجعين للفريق الذي يدعمه، ليست عيبًا ولا فعلًا غير قانوني بأي شكل من الأشكال . فهؤلاء المواطنون، الذين قدموا من المناطق المحيطة بفاس إلى الملعب، مارسوا حقهم الطبيعي في تشجيع الفريق الذي رأوا أنه يستحق الدعم، وتمتعوا بحرية كاملة في الهتاف لمن يحبون. هذا الجانب يقع في صميم الحرية الفردية وحق التعبير، ولا يمكن لأي طرف أن يتدخل في توجهاتهم التشجيعية داخل الملعب.
المثير للاستغراب والأسف في آن واحد هو تحويل هذا الأمر البسيط و العادي إلى قضية رئيسية تُستخدم للهجوم على أطراف معينة، بأهداف سياسية واضحة، وتوجيه اتهامات مجانية تفتقر إلى الصحة والمنطق. من خلال سلوك يثير تساؤلات جدية حول المستوى الذي وصل إليه التدافع السياسي والممارسة السياسية في الجهة. بإعتبار أن استخدام قضية بسيطة كهذه، لا تتعدى كونها مبادرة لدعم فريق رياضي، كأداة للهجوم والتخوين، يكشف عن فقر فكري وسياسي وقانوني لدى هؤلاء الذين يسعون لتأجيج مثل هذه القضايا، والتي تعد مجرد خرجات إعلامية تستهدف تنظيمات سياسية بناءً على دوافع غير منطقية، بل ومضحكة في آن واحد، بحيث باتت تثير السخرية أكثر مما تثير النقاش الجاد . فمن الطبيعي جدًا أن يكون لكل فرد حريته في تشجيع الفريق الذي يرغب فيه، ومن المنطقي أيضًا أن يكون لكل طرف حريته في جلب المشجعين لدعم الفريق الذي يدعمه. هذا هو المنطق السليم الذي يجب أن يسود .
مما يستدعي مراجعة مثل هذه الخرجات والتركيز على القضايا الحقيقية لتحقيق التنمية التي تحتاجها الجهة والاقاليم عبر التدافع السياسي الرصين والواقعي وليس الخزعبلات …
إن محاولة تسييس كل صغيرة وكبيرة، وتحويل أي فعل طبيعي إلى مؤامرة أو جريمة، يؤكد الحاجة الملحة إلى مراجعة عميقة لطرق التعاطي مع القضايا العامة. بدلًا من التركيز على قضايا وهمية أو هامشية، يجب أن ينصب الاهتمام على التحديات الحقيقية التي تواجه الجهة والمواطنين، والعمل على تقديم حلول بناءة لقضاياهم وتحقيق تطلعاتهم التنموية . بدل افتعال القيل و القال الفارغ الذي لا طائل منه ، مع استنزاف الطاقة والجهد في صراعات جانبية لا قيمة لها، والتي تخدم أجندات ضيقة لا علاقة لها بمصلحة المواطن أو المنطقة.
متى سيتعلم الفاعلون السياسيون أن المساحة العامة يجب أن تكون ساحة للنقاش الايجابي حول القضايا الجوهرية، لا مرتعًا للتصفيات السياسية الرخيصة وبطرق ووسائل مضحكة …