محسن الاكرمين
الجمعة 01 يوليوز 2022 – 21:12
من شدة أسرار الشر المتنامي بداخل الصندوق المغلق بإحكام، فقد كان مكتوبا على خلفية واجهته الأمامية “لا تفتحه” بدون تلاوة تعويذة ترجع آدم وحواء للجنة. فيما فصول التغيير عند نوارة، فقد كانت لها بداية النهاية في رسم وشم ” أحبك وجعي” مع قبلة على صدر المرآة الوسطى المجابهة لنوم فراش أسيف. كان ذلك تاريخ البداية عند أسيف عندما استيقظ من كوابيس الغياب، وفتح بوابة الصندوق في غياب تواجد نوارة، لكنه حين حاول معالجة إغلاق ألم الفراق والبعد، لم يتمكن من تذكر سر كلمات ” لن أتخلى عليك ما حييت”.
كان من سوء العلامات الرمزية عند أسيف، أن نوارة تركت باب البيت مفتوحا بمتسع سماء حلم الأمل المعلق بين السماء والأرض. هنا تذكر الصورة المصغرة لآدم وحواء عبر حكي الحضارات والأساطير، وتحميل المرأة بالتكرار مغبة خروج البشر من نعيم الجنة إلى موضع الثقب الأسود ومكابدة حرب القتل ودمار زينة الحياة.
كان أسيف يحمل قلبا سليما من أمنيات حبه، كان يود أن يجهر علوا أمام الملأ “أحبك نوارة”. كان يؤمن أن الحب من عشب الجنة وليس من حطب نار الخصام و العداوة، وأن الابتعاد ما هو إلا تمرين غراب الأرض ومواراة سوءة قتل الحب. لكن الصدمة كانت قوية عند أسيف، حين لامس دلالات كلمات نوارة على المرآة ” أحبك وجعي” بنقط حذف متتالية وغير محدودة. لحظتها رمى كل التعويذات المميتة أرضا، وقرر أن يصنع خاتما من زبر حديد يذكره دوما بعقاب آدم وحواء وأنانية الإنسان، من يومها بات أسيف إلى الآن يبتكر رموزا لخواتم الذكريات القاسية على زينة الحياة.
من متتالية المتاعب المريرة حين سرقت حية الغابة الكارتونية نبتة خلود الحب بين أسيف ونوارة والتهمتها بشغف التحول والتجدد. كانت تلك آخر نبتة حياة تمنح الشباب الدائم للحب وعيش السعادة الغامرة، لكن حية الغابة الذكية تناولتها على غفلة من أسيف ونوارة في وادي النجاة، ونزعت جلدها القديم متحلية بنشاط متجدد أمامهما. كانت تلك النبتة هبة من السماء، كانت تؤرخ لذكرى آخر أمنيات زينة الحياة عند أسيف “ابتسامة من نوارة، وكل امرأة بعدها غياب”.
من الأثر الباقي بالذاكرة خروج نوارة من حياة أسيف بدفء قبلة واقفة بالتماس الجسدي، وحضور أمل العودة و تناول نبتة تجدد الحياة بالتساوي، وتغيير أحداث التاريخ غير المدون بالسلم. من الأثر المستحيل حين استلمت نوارة لمثيرات حياة الانكسار والتخلي عن أسيف مع إخلاف الوعود السبقية” لن أتخلى عنك ما حييت”. حين توقفت رواية الحب بالألم، أصبح أسيف مداوما على نافذة الغرفة في انتظار عودة نسمات من عطر نوارة. وهو يتذكر سوء تدبير ممرات الحياة، حين سرقت الحية نبتة تجديد الحب من بين مشاعرهما المتوهجة، حين تحرر الأبطال من وعود كانت لازمة، وبعبارة كلام ظل الظهر” أحبك وجعي” مكتوبة بلون أحمر الشفاه، وقبلة وشم على المرآة المسطحة، وترك المكان بلا عودة.
كل امرأة عند أسيف غيابا، لا تجدي قيمتها من بسمة نوارة وملمح فرحها. كانت أغاني سعاد ماسي موطنا سليما يحضر نوارة إلى غرفته طوعا. كان كل الدخان الصاعد من سيجارته يصنع متموجات لاسم نوارة بقسمات الورد المتفتح، كانت كل نغمة من الموسيقى ترشده إلى تواجد ظل نوارة الأنيقة ببيته، وهي تحمل مشهد حواء الوجودي خارج جنة الخلد.
يأتي الوجع متجددا ولن يذهب فارغا دون أن يحمل آهات آتية من بعد نوارة واحتلاله لمسامع أسيف. هي نوارة التي تحضر عواطفها عند أسيف لحظة كل صلاة نبض قلب وفي للمواعيد القطعية. هي نوارة التي تأتي وتجيء قمرا ليليا يسع سماء نور غرفة أسيف نحو نوم مطاوع. هي نوارة التي تعيش سعادة الرقص مع أغنية ” ديرني في بالك يالي نهواك، أنا قلبي اختارك، وما صبت دوا اليوم، راك معايا، ذي أحوال الدنيا …أحوال الدنيا حلوة ومرة … غير أنت لي دخلت لقلبي، غير أنت لي ساكن قلبي … وعلاش يا عمري تحرم عمري ..وتعذب فيا الربيع ما يدوم…وحالي معدوم …ديرني فالبال غير أنت ..غير أنت “.
حين تشتد كلمات الأغنية حدة برقص نوارة، يحضر لزوما أسيف معها في سعادة ارتداد زمن الفرح، وبلمسة لطف الاحتضان من أسيف على خصرها المتموج تعود الحياة. يحضر في الحلم الكبير بكلماته “أنت فقط من أعشق”. يحضر فنجان قهوة أسيف يوم هروب نوارة بعد قبلة خفيفة من الشفاه المطبقات، يحضر صمت العينين وانتظار أن يبدأ أحدهما معاودة الحديث. هي نوارة التي في قلبها يعيش حب أسيف متربعا، فيما هو فلن تقدر أية قوى أن تزيل بداية رواية عشقه ” أحبك وجعي”.