عزيز جلال
الثلاثاء 12 دجنبر 2023 – 19:58
فهمنا السليم لمفهوم الأمان الوظيفي؛ يفرض علينا أن يكون فهما أكثر إدراكا وعمقا، حتى يتسنى لنا اتخاذ القرارات الصحيحة، في الوقت المناسب، والطريقة المثلى التي تساهم في تحقيق الاستقرار النفسي، وتبدد كل المخاوف والاحتمالات، كلما استقريقيننا باستحالة بقائنا بلا وظيفة تناسب مؤهلاتنا،وكلما وجدنا أنفسنا نحظى بالتقدير والاحترام اللازمين داخل مؤسسات العمل، فنحن نحظى بالأمان الوظيفي،وهو مايساهم في رفع درجة الطمأنينة على المستقبل وعلى مجابهة التحديات الاقتصادية والضغوطات المتتابعة جراء التحول السريع، والتقلبات الكبرى التي يعرفها العالم، العمل في بيئة آمنة وصحية للموظفين، يضمن حماية حقوقهم ومصالحهم ، مع تقديم الدعم اللازم لهم لتحقيق أهدافهم المهنية، الأمر الذي يؤثر على رضا الموظفين في العمل ويساهم في تحسين أدائهم وإنتاجيتهم ، في حين القلق من فقدان العمل، أو عدم قدرة العمل على تحقيق الاحتياجات الدنيا وضروريات أفراد الأسرة، من شأنه أن يترك آثاراً سلبية على صحة الفرد يضاهي الأذى الذي يسببه ارتفاع ضغط الدم وأضرار التدخين، ناهيك عن إحساس الموظف بالغربة عن محل اشتغاله ، مما يجعله يبدي لامبالاة بما يجري من تحولات، وتتحول الوظيفة إلى عذاب يومي مفروض لا مجال لتخيف حدته والتملص من ضراوته سوى بمغادرته نهائيا،
وزارة التربية ونساء ورجال التعليم علاقة أمان وثقة متبادلة أم تخوين وشك متبادل؟
في المغرب لا بد من التمييز بين حقبتين مهمتين قبل 5 أكتوبر وبعدها،وذلك لتغير نظرة نساء ورجال التعليم للوزارة التي من عادتها عدم الوفاء بالتزاماتها (اتفاق 26 أبريل 2011كمثال )،لكن رفع شعار التغيير وما رافقه زمن الانتخابات بجعل الأستاذ مطية لحملاتهم،واستغلال الحالة الكارثية التي وصل اليها حال التعليم بالبلاد وتوالي الخيبات في تذيل مكانة المغرب المراتب الاخيرة في كل المحافل الدولية آخرها 5 دجنبر 2023 ساعة الإعلان الرسمي عن معطيات التقييم الدولي للمتعلمين بيزا (PISA) 2022، انقشع مع ظهور النطام الأساسي الذي ميز بين الخطاب الاستهلاكي وبين الرغبة الحقيقية في التغيير، أما النقابات التعليمية فشعبيتها الآن في الحضيض أكثر من أي وقت سابق،رغم تاريخها المعروف في اللعب على حبلين، وما مسرحية التقاعد والتعاقد ببعيدة عن ذاكرتنا الجمعية، لكن ومع كل ما سبق ظل نساء ورجال التعليم،لمدة قاربت السنتين وهم يترقبون نتائج الحوار القطاعي بشأن النظام الأساسي الجديد،وكلهم أمل أن يجيب على تطلعاتهم، ويكون النظام الذي يقطع مع عالم المعاناة والتهميش والإقصاء والاستصغار، ويستبدله بعالم كله هيبة وتحفيزوكرامة ومساواة ، لكن للأسف كانت الخيبات والاحتقان والتذمر وقودا لمزيد من السخط وعدم الرضا ، زاد من حدتها الموقف االسلبي للمركزيات النقابية، التي صارت تدافع عن كل ما يصدر عن الوزارة دون أدنى تردد، لكن صمود نساء ورجال التعليم، ومعه مختلف مكونات المجتمع المدني الغيور على مستقبل البلاد لم يربك الوزارة وحدها بل ومعها النقابات الأكثر تمثيلية ، التي أصبحت تساند تارة وتستنكر تارة أخرى، فأضحت القناعة التي لا مجال معها للشك أن النقابات جزء من المشكل،
يتفق الكل على أن مجال التربية والتعليم هو من المجالات الحكومية التي لا طالما اعتقد الجميع انها تتمتع بالاستقراروالأمان الوظيفي،لكن هل من الأمان والسلامة الصحية والنفسية أن يقضي الأستاذ أكثر من أربعين سنة وسط الحجرة الدراسية وفي تفاعل دائم مع المتعلمين أطفالا ومراهقين، العملية التعليمية التي لاتعتبر الأستاذ الركيزة الأساسية هي عملية يشوبها الكثير من التدليس،
فالنظام الأساسي ما يحسب له خلال هذه الفترة الحساسة هو مساهمته الفعالة في توحيد ورص صفوف نساء ورجال التعليم،أما الاصلاح الحقيقي فيقتضي الاستماع الجاد لمن هم في الفصول لا من متقاعد أو من من ينعم في ريع النقابات، حجم الانتطارات كان كبيرا وحجم المسيرات أيضا، لكن الوزارة تجاوبت بالتهديد حيث هددت وأزبدت وأرغدت،
وبحسب نص مشروع المرسوم رقم 2.23.819، سيطبق على “الموارد البشرية” (وللتسمية وحدها تداعيات وحمولة تفرغ مفهوم الانتماء الذي بدونه لا معنى للتربية ولا معنى للتعليم ) عقوبات من أربع درجات تشمل:
الدرجة الأولى: الإنذار والتوبيخ،
الدرجة الثانية: الحرمان من المشاركة في الحركة الانتقالية لمدة سنتين متتاليتين، والحذف من لائحة الترقي في الدرجة بالاختيار،الحرمان من المشاركة في امتحان الكفاءة المهنية برسم سنة واحدة
الدرجة الثالثة: الحرمان من المشاركة في امتحان الكفاءة المهنية برسم سنتين متتاليتين……
الدرجة الرابعة: الإحالة الحتمية على التقاعد ..والعزل والإعفاء بالنسبة للمتمرنين.
ليس بأسلوب العقاب والثواب فقط يتم الإصلاح وتستقيم الأمور، بل بالمشاركة في صنع القرار، تحت قوة الضغط الجماهيري أعلن الوزير، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، أن الطرفيْن(الوزارة والنقابات) اتفقا على إلغاء العقوبات التي أثارت غضبا كبيرا وسط الأساتذة والعودة إلى اعتماد العقوبات الموجودة في قانون الوظيفة العمومية،
عدم تقدير الوزارة للكفاءات والإنجازات،والنظر إليها باعتبارها وسائل للانتاج فقط، هو ما يدفع بالكثير منها إلى التفكير في المغادرة، والبحث عن عمل آخر في مؤسسات أخرى يمكن أن تقدرها، وتتوفر فيها بيئة عمل أفضل يمكن أن تشجع أكثر على العطاء والإبداع والتميز
انتظارات نساء ورجال التعليم ليست دريهمات تبشر بها وسائل الإعلام وأبواق النقابات، بل هي التقدير أولا ، والكرامة ورد القيمة الاعتبارية التي تسعى السلطات في كل المسيرات السلمية أن تدوس عليها،خروج المسيرات هي من أجل مدرسة عمومية فعلا ذات جودة للجميع ،مدرسة يحس فيها الفرد بالانتماء لا بالغربة،أما حالة التعاضدية وما يشوبها من فساد وتلاعب وهزالة التعويضات ، إضافة إلى خدمات مؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية التي غالبا ما يستفيد مها من لا تربطهم اي علاقة بالتعليم، فمستمرة في الاقتطاعات بعيدة كل البعد ان تلبي الطموحات ، وأكيد هي ملفات لابد من إعادة النظر في تعاطيها مع أسرة التعليم.