آخر الأحداث

الخيال صحة أم مرض؟ عن طريق المنطق والعقل نموت كل ساعة..ولكن عن طريق الخيال نحيا

25 ديسمبر 202313 مشاهدة
الخيال صحة أم مرض؟ عن طريق المنطق والعقل نموت كل ساعة..ولكن عن طريق الخيال نحيا

عزيز جلال

الاثنين 25 دجنبر 2023 – 16:09

بين الخيال والتخيل تداخل وشبه تماثل، لكن الخيال هو ما لا نتوقع حدوثه، والتخيل بوابة تنزيل غير الممكن وما لا نتوقعه ليصير معيشا نتفاعل معه، إنه التطبيع بين الجنون والعقل، منذ المراحل الأولى لنمو الأطفال يتم إدراك المحيط عن طريق التخيل، فالطفل حسب بياجي في مرحلة قبل العمليات  الممتدة بين 2—7 سنوات يبدأ ربط المخططات المنفصلة في ذهنه ويتمكن من تمثيل الموضوعات عن طريق الخيال والكلمات، فالبنات يلعبن بالعرائس ومعها، باعتبارها كائن حي يتفاعل يطيع ويتمرد يستحق العطف والحنان تارة، والغضب والعقاب تارة أخرى، في تواصل مليئ بالمشاعر والعواطف يتم تبادل أطراف الحديث في حبكة متقنة تنسجم فيه الفتيات مع الألعاب انسجاما تاما، لا فرق بينه وبين الواقع، بينما يعيش الذكور في عالم آخر بتنزيل الخيال إلى ميولاتهم، فيتقمصون دورالآباء ويقلدون تصرفاتهم وحركاتهم، من خلال اللعب يتخلصون من رقابة الكبار وسلطتهم، في العالم الموازي لهم الأمروالنهي حيث لا مجال للحدود المكانية أو الزمانية، ويستمر العمر في التقدم لكن استحضار اللحظات الهاربة، وما لانعيشه مستمر أيضا،

 واهم من اعتقد أن الخيال وهم منفصل عن الواقع أو تهويم مجرد لايمكن إدراكه، التخيل استعداد نفسي يفتح أمام الفرد إمكانية تحويل الأفكار إلى وقائع وإلى ابتكارات وسيناريوهات لم يسبق لها التواجد هي وليدة لحظة التأمل والتخيل فحسب،

اجترار الماضي بوقائعه المؤلمة من خلال ماتختزنه الذاكرة من تجارب وإدراك والعيش معه من جديد وكأنه حديث الوقوع أمرمؤلم، وهو نوع من التخيل، لكنه تخيل انفعالي تمتزج به المعاناة مع إعادة عيش اللحظات التي رسمت ندوبا في الذاكرة، فالتخيل الذي زاده إدراكات الماضي ووعي الحاضروتفاعل الفرد يحدث إبداعا جديدا، هو الأمر الذي نجده عند الفنانين والمبتكرين والشعراء، لهذا لفهم الواقع والتعايش معه لابد من اتقان مهارات الهروب، هروبا فكريا لا جسديا، لاستبداله بما يتيح للفرد السكينة والهدوء بعيدا عن ما يخالجه من فوضى واضطرابات، قد تتمادى وتزج به إلى عالم الاضطراب والمرض، لأن الدهان هو قطع الصلة بالواقع وحرق مراكب العودة من الخيال، حيث يصعب على الدهانيين التفريق ما بين الواقع وإدراكهم الذاتي، فيسمعون أصواتا لا يسمعها الآخرون،ويرون ما لايمكن لغيرهم رؤيته، وقد يعتريهم  شعوربالاضطهاد أو التهديد من محيطهم المألوف، أوبين الفينة والأخرى يتلقون رسائل من عالم خيالي خاص بهم وحدهم لا يمكن للآخرين الوصول إليه،

 “كل شخص يولد بإمكانات خيالية عظيمة لكن وللأسف النظام المدرسي التقليدي يئدها”، (خبير التعليم الأكاديمي البريطاني كين روبنسون) ، فمرحلة ما قبل التمدرس هي مرحلة الخيال بامتياز، ولعل حكايات الجدّة  في زمن ماقبل سطوة الاجهزة الالكترونية ، تعتبر عنصرا حاسما في تربية الحس الجمالي وزرع القيم لدى الطفل وسيلته الأساسية الخيال،

 الطفل غالبا هو صاحب خيال إبداعي إلى أبعد الحدود يتعامل مع ألعابه كأنها كائنات حية تتواصل معه، يتكلم على الهاتف الوهمي المتخيل مكالمات طويلة ، يتفاعل معها، بإمكانه تأليف قصص متقنة الحبكة ، لا أساس لها في الواقع، لكن التعامل غير الحذر من الخيال الذي لايوجه، يصير كذبا متقنا، وهو ما يولد مشاكل لا تعد ولا تحصى،

“الخيال هو بداية الإبداع، إنك تتخيل ما ترغب فيه، وترغب فيما تتخيله، وأخيرا تصنع ما ترغب فيه” برنارد شو.

الأداة المفضلة والوسيلة المثلى التي تعين المحللين النفسيين وغيرهم من ممارسي الصحة النفسية، في تغيير الادراكات والتصورات، حيث إن تصوربيئة هادئة وتخيل عالم ملامحه منتقاة من شأنه أن يساهم في التهدئة وزرع بذور السكينة، كما أن تخيل أسوأ سيناريو والعيش معه كأنه حقيقة يمكن أن يزعج أو أن يصير مرضا يصعب التخلص من إكراهاته،

التخيل هو الفرصة الأهم  للطفل ليتصرف كأي مكتشف أو عالم أو شاعر يطمع لاكتشاف محيطه واكتشاف ذاته أيضا، لأن الطفل فضولي بطبعه فالإبداع والابتكار أساسه الخيال  لذا  كل إحباط  لتطلعات الأطفال يؤثرعلى مستقبله ومستقبل وطنه،

اللعب هو العالم المثالي لكل الأطفال من خلاله يتسنى لهم تطويرمهارات التفكير النقدي وتنمية ذكائهم العاطفي والاجتماعي واللغوي.

كما أنه يتيح لهم إمكانية  التعامل مع  المشكلات المعقدة بنظرة مختلفة، مستثمرين مهارات لغوية مستوحاة من الكلمات والعبارات الشائعة التي يستخدمها الأشخاص من حولهم، أو التي يسمعونها على الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي، وهو فرصة أيضا لتنمية المهارات الحركية عن طريق النشاطات المختلفة أثناء اللعب  بتحريك الجسم والانسجام مع الحركات والمواقف المختلفة التي يقتضيها تقمص الأدوار،

الخيال في حقيته ليس هروبا كاملا من الواقع بقدر ماهو سعي لتكييفه والتصالح معه من خلال جملة من الآليات الشعورية واللاشعورية، حيث الكثير من إخفاقاتنا وبعض نجاحاتنا أيضا هي إخفاقات ونجاحات بدأت في الخيال، الامر الذي يتوجب معه الانتباه للخيال بالدرجة نفسنا انتباهنا لواقعنا.