محسن الاكرمين
الخميس 31 يوليوز 2025 -21:27
كنت أحصي الزمن المغربي النقي بالوفاء للوطن، فلم أحصل إلا على قصة “القرد زعطوط واللبان المخادع”، وقد كنت أمني النفس بحياة أفضل، لكني وجدت أن الأرقام تتشابه وتؤدي أدوارها بمتتالية “ادفع”.. حينها بقيت كل أحاجي التغيير والرخاء والتنمية مع “الواد الواد” ونحن جلوس مع أولاد الجواد.
حين نظرت للمرآة، أيقنت حقيقة أن الزمن بمكناس لا يتغير إلا في رؤوسنا، وعندها يعلو الشيب وتتقلص أمنيات التغيير وتشيخ ثقافة رؤية مجهود النجاح القادم من مجهول الحلم.
حين يتحدث المنجمون عن برج حياتي (العقرب)، أبتسم في نفسي كثيرا، ففي كل يوم يصنعون لي قصة حب ووفاء، قصة خيانة تشع في صرح ممرد ببلورات زجاج فاضحة على مشارف حياتي بالمتغيرات المستحيلة. قصة أمل في نيل فيض غد فضي غير معوق، قصة تعب الحياة الممتدة أنا “عييت” و”باراكا” علي من متاعب الحياة !!
اليوم بصرت ونجمت ليس بالكثير، فقررت التوجه إلى مجالسة “الشوافة” التقليدية لتفك لي “خط الكف”، ثم بعدها ممكن الالتفاف إلى “كوتش” ليدعم هيكل نفسيتي المتراخي، ومسار حياتي المتهالكة بمصطلحات المهارات والتغيير الذاتي، ولما لا الرقي بالذات نحو امتلاك محاسن الإيجابيات من الحياة الباقية.
أعجبتني الفكرة كثيرا، ولعبت في خاطري تحفيزا مدويا على المغامرة وكشف حجاب المستور عن حياتي. سلكت أزقة حواري المدينة العتيقة وأنا أحمل معي قسطا وفيرا من الغباء الاصطناعي، وصولا إلى فسحة “الشيخ الكامل” الأمامية، هناك لعبت دور التائه (التالف) الذي يبحث عن حلول لعقد حياته الدنيوية (المتشربكة) في “الصوطة” المسخوطة و”الكبال” مول النبال و”الرّاي” الحاكم، و”التريس” الغدارة، رمت “الشوافة” بأوراق “الكارطة” صفوفا رباعية معتدلة العد ومتساوية الأطراف، بعدها تنهدت عمقا، فحسبتها تتأسف لحال تموضعي ضمن دوامة حياة بالمتناقضات، لكنها حين وجدت “الصوطة” مولات الذهب، بعيدة عن “الكبال” مول الذهب، ابتسمت قليلا، ومواضع فراغاتها من الأسنان بادية، وحملت “اللاص” مُولْ الطبيقة في يدها وصارحتني بالتأكيد وشدة الحزم: أن رزقا آتيا ليصلح العتبة الراسبة ، ويفيَض خميرة الدار الفطيرة منذ الزمن البعيد، وقد أتمتع في جنان مع فرح آتي.
حينها سألتها، آشريفة، كيف يحدث لي هذا؟ فانتصب لسانها مجيبا بالحنق المدوي: “الكارطة” قالتها و”الجواد” (جنونك) ديالك مشدودين، وطالبين “التسليم” !!! ادخل أولدي إلى قبة الشيخ دير النية و الزيارة التامة، وأشعل الضوء … وخلي الحلاوة، واشرب من البئر الوسطاني، ورش جنبك الأيمن سبع مرات، واتكل على الله، ومول النية حاجته مقضية !!!
حينها علمت أن الحصة “الشوفان” انتهت، وما علي إلا أن أمدها بحصة لعب “الكارطة” وحركة “الصوطة” و”الكبال” و”الراي”، خمسون درهما (مغرب اليوم) مقابل أتعاب تفكيك شيفرات بيان التغيير برش الماء يمينا ويسارا.
عرجت تباعا على المدينة الجديدة (حمرية)، وولجت مركزا لـ”الكوتشينغ”. صورة مركز حديثة بالأناقة والعطر الأنثوي الفياح، ومكتب تسكنه شابة تفيض ابتسامة وبزيادة (التَّهْرَاقْ)، ويزيد كلامها كما هائلا من مصطلحات “كن إيجابيا”، “ابتسم”، “ستصل”، “ستنجح”.. (أودي الله يهديك، رَاهْ توفر لي الدولة الشغل والصحة والتعليم والسكن والعدالة الاجتماعية بالكرامة… بالطبع انْكُونُوا مواطنين صالحين وإيجابيين) !!!
وبعد فقه المعرفة الرسمي، عملت على اختبار رغبتي في التغيير وحاجتي للمساندة، والدعم من الكلام المليح المنمق بالخروج من منطقة الراحة والظل. فأمددتني أخيرا بورقة وقلم لأدون سبب زيارتي، لكني اختصرت عنها المسافة وقلت لها، “باغي رؤية جديدة ”، ابتسمت قليلا ولم تُعقب عن كلامي قولا.
وحين دخلت إلى السيدة “الكوتش” وهي بحجاب عصري يبدي خصلات من شعرها الأشهب، علمت أنها كانت تنظر لحوارنا عبر شاشة مرتبطة بكاميرا خارجية، جلست بالقرب الموضعي من مكتبها، وبعد أن قرأت قصدي في “السما”: (هذا باغي كشف الحجاب؟).. كانت تلتقط من عيوني رؤية حزن دفين مستورد لتلك اللحظة بالذات، ومن قعودي الجانبي المائل، تِهْت تيها عميقا بعيدا عن المواجهة (وجها لوجه)، ومن سلوكي الظاهري المترهل، وربطة جبيني المقطبة بضنك العيش. كانت “الكوتش” تتأمل كل هذا وذاك وهي لا تدون شيئا في ورقتها البيضاء.
حللت “الكوتش” وضعيتي بالتشريح الممل والكلام والمصطلحات (الكبيرة)، و هي بصدق كانت تتقن الكلام المنمق وتبيعه مثل “شوافة” ساحة “الشيخ الكامل”، وبثمن “لاصق” مثل الكشف الطبي التخصصي.
حينها أيقنت قولا سديدا، أنني أحمل هما سميكا بدواخلي يوازي هم مدينة ووطن، صارحتني بأني أصدق النية، وأميل إلى الوفاء يماثل رجل برج العقرب. علمت من طي يدي إلى جسمي أنني لا أملك من زمني إلا نفسا في صدري يتصعد علوا وأنفة منسية.
حين أقحمتني في حديث مطول عن حياتي وآمالي الموضعية بالزمان والمكان، ورغباتي المستقبلية، وعلاقاتي الاجتماعية الباقية … لم أراوغها في الكلام بالمجاملة، فقررت تغيير موضع كرسيها العالي وهي تتحسر من المستقبل المجهول المشدود بالمعيقات التراتبية وسألتني: ماذا نريد ؟ أين آمالنا جميعا؟ أين هو التغيير المنشود ؟ أين هي مدينة شويخ من أرض مكناس؟ حينها قررت إنهاء حصة (كوتشينغ التنجيم) ووعدتها بإتمام الحديث في موعد محدد في الزمن. هو الزمن غير المضبوط على ساعة ترقي التغيير الذاتي.