آخر الأحداث

جريدة «لوموند»: اللهم كثر حسادنا

صدى المغرب3 سبتمبر 20256 مشاهدة
جريدة «لوموند»: اللهم كثر حسادنا

صدى المغرب-من مكناس 

الثلاثاء03شتنبر2025-23:49

في إحدى اللحظات البليغة من خطاباته، استحضر جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، حكمة متوارثة عن جده المصطفى صلى الله عليه وسلم، حين قال جلالته: «اللهم كثر حسادنا، فإن كثرتهم دليل على كثرة الإنجازات والخيرات، أما من لا يملك شيئا فلا أحد يحسده على شيء».

بهذا القول العميق، اختصر الملك معادلة التاريخ: أن النجاح لا يقاس فقط بما ينجز على الأرض، بل بما يثيره من غيرة في نفوس الآخرين.

ومن هنا، يصبح من السهل فهم الخلفية التي تصدر عنها مقالات مثل تلك التي عودتنا على نشرها صحيفة «لوموند» الفرنسية وكانت آخرها تحت عنوان: «في المغرب، أجواء نهاية حكم محمد السادس».

فالعنوان الصاخب والمثير للضحك لا يخفي الحقيقة التي تضرهم: المملكة المغربية تسير بخطوات ثابتة إلى الأمام، بينما يحاول البعض التشويش وزرع الشك، طبعا بمقابل.

أولا: مملكة مغرب البناء والتشييد.
لا يحتاج المتابع إلى كثير من الجهد ليدرك أن المملكة تعيش حياتها العادية والطبيعية وأنها تعرف دينامية متواصلة لمشاريع واعدة.

من القطار الفائق السرعة الذي يربط طنجة بالدار البيضاء، إلى أكبر مركب للطاقة الشمسية في إفريقيا بورزازات، ومن تحول البلاد إلى مصنع إقليمي للسيارات والطائرات، إلى طفرة الاستثمارات الرقمية والذكاء الاصطناعي، كلها شواهد على بلد يبني مستقبله بيديه وبسواعد “المغاربة “.

وإذا كانت بعض الصحف ترى في تحركات المغاربة دليلا على الإنهاك، فإن الحقيقة أن هذا التعب هو تعب البناء، لا تعب الانكسار.

ثانيا: ملكية شرعية، شعبية وحية.
من يقرأ التاريخ يعرف أن الملكية المغربية ليست قشرة سياسية عابرة، بل هي مؤسسة ضاربة في جذور التاريخ، دينية ورمزية وشعبية في آن واحد.

إنها ملكية تحيا بتجددها، وتعيش مشروعيتها كل يوم بالتحامها بشعبها، بل وتخلد سنويا ذكريات مجيدة من تاريخها التليد ومن ضمنها ذكرى “عيد العرش المجيد” وذكرى “ثورة الملك والشعب”… ولعل من العبث أن يتحدث البعض عن «نهايتها» وكأنها صفحة في كتاب، بينما هي في الحقيقة ملحمة متصلة، تتجاوز الأشخاص لتجسد الاستمرارية التي يبحث عنها كثير من الشعوب من حولنا ولا يجدونها.

وجلالة الملك محمد السادس ليس رئيسا عابرا لمرحلة انتخابية، بل قائد استثنائي يبايعه شعبه كل عام في طقس مهيب يجسد التحام العرش بالأمة، إنها ملكية تجمع بين التاريخ والدين والإصلاح، وتؤكد أن الاستمرارية والنجاح ليستا حلما بل واقعا يعيشه المغاربة كل يوم وببعد تراكمي يعد بمستقبل أفضل.

ثالثا: تعبئة شعبية ناطقة بذاتها
ويكفي أن الرد على مقال «لوموند» لم يصدر عن مؤسسات الدولة بقدر ما صدر عن المغاربة أنفسهم وبجميع أطياف المجتمع المغربي الباسل في الداخل والخارج، عبر مقالات وآراء وتعليقات ووقوف صريح في صف وطنهم وملكهم المفدى.

هذه العفوية الشعبية تكفي لمن يريد أن يقيس حرارة العلاقة بين الملكية المغربية وشعبها. إن ما يجري ليس «تلقينا» ولا «إملاءا»، بل هو تعبير صادق عن شعور جماعي بالانتماء والوفاء وحب متبادل بين العرش والشعب.

رابعا: غيرة تترجم إلى اعتراف
الانتقادات المتكررة التي توجهها بعض الأقلام الأجنبية، ليست سوى وجه آخر للإعجاب المقنع. المغرب، في منطقة تغلي بالاضطرابات، ينجح في ترسيخ الاستقرار، ويمضي في التنمية، ويشق طريقه كقوة إقليمية صاعدة.

وما الغيرة إلا اعتراف غير معلن بأن هناك من يسبق. وكما قال الملك: «من لا يملك شيئا، لا أحد يحسده على شيء».

وجلالة الملك محمد السادس ليس رئيسا عابرا لمرحلة انتخابية، بل قائد استثنائي يبايعه شعبه كل عام في طقس مهيب يجسد التحام العرش بالأمة. إنها ملكية تجمع بين التاريخ والدين والإصلاح، وتؤكد أن الاستمرارية والنجاح ليستا حلما بل واقعا يعيشه المغاربة كل يوم وببعد تراكمي يعد بمستقبل أفضل.

خامسا: نهضة رياضية بتوجيه ملكي مباشر
ومن مظاهر الإشعاع التي أضاءت عهد جلالة الملك محمد السادس، نهضة رياضية غير مسبوقة. فمنذ بواكير حكمه، نظر جلالته إلى الرياضة باعتبارها مدرسة للوطنية للانتماء، ومختبرا للقيم النبيلة، وجسرا يربط المغرب بالعالم.

فانبثقت الملاعب الكبرى كنجوم على أرض المملكة، وتأسست الأكاديميات لتصنع جيلا من الأبطال، وتحولت الرياضة إلى ورش وطني مفتوح. ثم جاءت الثمار وافرة: تألق المنتخب الوطني في كأس العالم بقطر 2022، وصعوده إلى نصف النهائي كأول منتخب عربي وإفريقي، حصد البطولات القارية، بروز أبطال في ألعاب القوى وسباق الدراجات وفنون القتال، ثم نيل شرف احتضان كأس إفريقيا 2025، وتقديم ملف مشترك مع إسبانيا والبرتغال لتنظيم كأس العالم 2030 وبالتالي تحول المغرب لوجهة رياضية بامتياز.

هذه الإنجازات لم تكن وليدة الصدفة، بل ثمرة رؤية ملك جعل الرياضة وسيلة لصناعة المستقبل، وواجهة حضارية تعكس طموح أمة تعرف كيف ترفع رايتها عالية في المحافل الكبرى. إنها نهضة تشبه الموج المتدفق: كلما اصطدم بعائق ازداد قوة واتساعا.

الخاتمة
ما يسميه البعض «نهاية حكم» ليس سوى بداية متجددة لمشروع وطني ممتد، مشروع يزاوج بين الأوراش الكبرى والدبلوماسية الفاعلة والالتحام الشعبي.

ففي حين يكتب الآخرون عن «النهايات»، يكتب المغاربة بأصواتهم وإرادتهم عن الاستمرارية والمواصلة.

ولعل الرسالة الأبلغ لصحيفة «لوموند» ومن يقف وراءها، طبعا بالأداء: جربوا أن تحشدوا من الأصوات ما يحشد المغاربة دفاعا عن وطنهم وملكهم .. حينها فقط ستفهمون أن الحسد لا يولد إلا من نجاح.

بقلم: الأستاذ محمد بن الماحي
رئيس الجامعة الملكية المغربية للدراجات.