أنوار قورية – دكتور في الإعلام والسياسات الدولية
الجمعة 05 شتنبر 2025 – 14:08
في منعطف غير متوقع، خرج ناصر الزفزافي، الاسم الذي لطالما ارتبط بحراك الاحتجاج في منطقة الريف، بخطابٍ حوّل جميع التوقعات رأسا على عقب، لم يكن خطابا بنبرة عادية، بل كان إعلانا واضحا عن قطيعة مع سرديات وظفت إسمه طوال السنوات الماضية، ليكشف بذلك عن فصل جديد من فصول قضيته، وأبعاد أكثر تعقيدا في المشهد السياسي المغربي، لا شيء أخطر على الأوطان من وهم الزعامة حين يتحوّل إلى مطيّة في يد الخونة والمرتزقة، هذا ما أدركه المغاربة حين كشف ناصر الزفزافي، بصوته وموقفه، أن زمن المتاجرة باسمه قد انتهى، وأن ورقة الانفصال التي حاولت أطراف داخلية وخارجية اللعب بها قد احترقت.
سنوات من المزايدات، لحقتها أكثر من 300 وقفة احتجاجية غير مرخصة، وشعارات حاول البعض أن يجعلها مطيّة لضرب مؤسسات الدولة وتغذية الأجندات الخارجية، لم تنتهِ إلا بصرخة واضحة مفادها لا مزايدة على وحدة التراب الوطني للمملكة المغربية، ولا مكان لمسرحيات الانقسام، لقد كان الزفزافي عنوانا استُغل من طرف الانفصاليين ومنابر خارجية، خاصة الجارة التي ابتلينا بها والتي لم تتردد في محاولة فتح قنوات باسم وهم “الزعامة”، للتشويش على مسار تنموي راكمت فيه المملكة المغربية إنجازات بارزة، لكن اللحظة الفاصلة جاءت حين أدار الرجل ظهره لكل تلك الألعاب، ليعلن أن الوطن أكبر من كل الحسابات الضيقة، فاجأ ناصر الزفزافي خصوم الدولة حين أسكت أبواق “تيك توك”، وقطع الطريق على خونة الداخل والخارج، وأثبت أن المغرب ليس ورقة بيد أحد، بل وطن يصون أبناءه ويفتح لهم أبواب العودة من جديد… إن اللافت في خطاب ناصر ليس فقط مضمون الكلمة، بل الشكل والوعي الخطابي الذي ظهر به الزفزافي، لقد قدّم نفسه بلسان المتصالح مع فكرة الدولة، والمدرك لتعقيدات اللعبة السياسية، معتبرًا أن الوحدة الوطنية هي السقف الذي لا يمكن المساومة عليه وهو ما يفتح نافذة مهمة لفهم ديناميكيات الاحتجاج والتوظيف السياسي في المنطقة، لقد نجح ناصر في تحويل مسار النقاش من البكاء على الأطلال إلى قراءة الخريطة من جديد، وهو ما قد يشكل نقطة تحول في التعاطي مع قضيته ورفاقه وقضايا مشابهة.
قريبا وليس ببعيد، سيعانق الزفزافي ورفاقه الحرية بفضل العفو الملكي السامي، في تجسيد لمعنى الحكمة والرحمة التي تميز أمير المؤمنين محمد السادس نصره الله، وستطوى صفحة الزعامة الوهمية لتفتح صفحة المصالحة، عنوانها المغرب الموحّد، ورهانها مستقبل أجيال لا تقبل سوى برؤية الوطن واحدا من طنجة إلى لكويرة…