آخر الأحداث

أنوار يكتب.. مفترق طرق التنمية… هل يحل “جيل جديد” محل “المنجز التاريخي”؟ تساؤلات حول مستقبل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في ظل إطلاق برامج التنمية الترابية المندمجة

هيئة التحرير29 أكتوبر 202510 مشاهدة
أنوار يكتب.. مفترق طرق التنمية… هل يحل “جيل جديد” محل “المنجز التاريخي”؟ تساؤلات حول مستقبل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في ظل إطلاق برامج التنمية الترابية المندمجة

د.أنوار قورية – خبير في الذكاء الترابي والحكامة الرقمية / فرنسا

الأربعاء 29 أكتوبر 2025 -21:48

بعد عشرين عاما من انطلاقها، ستحتفي المملكة المغربية بـالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية كمنجز وطني استطاع أن يلامس حياة الملايين، من خلال محاربة الفقر والهشاشة ودعم البنيات التحتية الاجتماعية الأساسية، اليوم، وفي سياق تراكم الخبرات واستشراف للتحديات المستقبلية، يأتي التوجيه الملكي السامي بإحداث “جيل جديد” من برامج التنمية الترابية المندمجة، ليطرح أمام الرأي العام والمهتمين بالشأن التنموي جملة من التساؤلات المحورية حول طبيعة العلاقة بين الرافعتين التنمويتين.

التساؤل الأول: الاستبدال أم التكامل؟

السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه، هل يشكل الصندوق الجديد للتنمية الترابية المندمجة نهاية لمسار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، أم أنه امتداد وتطوير لها؟ قد يرى البعض أن مرور عقدين على إطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية يجعلها في حاجة إلى إعادة هيكلة جذرية، لمواكبة المستجدات الديموغرافية والترابية والاقتصادية، وبالتالي، فإن “الجيل الجديد” هو الإطار الأكثر حداثة وشمولية الذي سيتولى المهمة، مع إدماج ما أثبت نجاحه من منهجيات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية… في المقابل، تؤكد العديد من القراءات أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تركز على الرأسمال البشري والتنمية الاجتماعية بشكل أساسي، بينما تهدف التنمية الترابية المندمجة إلى معالجة البعد المجالي والتنمية الاقتصادية المحلية بشكل أوسع، من هذا المنظور، لا تعوض إحداهما الأخرى، بل تتكاملان في إطار رؤية تنموية موحدة، حيث تظل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية هي القلب النابض للرأسمال البشري، بينما تشكل التنمية الترابية المندمجة الهيكل العظمي للتنمية الاقتصادية المحلية.

التساؤل الثاني: الإطار المؤسسي.. استمرارية النموذج أم مقاربة جديدة؟

منذ إطلاقها من طرف جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، ارتبطت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ارتباطا وثيقا بوزارة الداخلية، مما منحها حكامة ترابية فعالة وسرعة في التنفيذ والتنزيل، التساؤل المطروح الآن، هل سيستمر هذا النموذج مع الصندوق الجديد؟ يبدو خيار إلحاق الصندوق الجديد بوزارة الداخلية منطقيا لضمان استمرارية نجاح نموذج الحكامة القائم على تنسيق الجهود بين المصالح اللاممركزة للدولة والجماعات الترابية، والاستفادة من الخبرة المتراكمة، من زاوية أخرى، قد تبرز إمكانية أن يسند تدبير هذا الصندوق إلى وزارة اقتصادية كوزارة الاقتصاد والمالية أو وزارة إعداد التراب الوطني، لتأكيد البعد الاقتصادي والاستثماري للبرامج الجديدة، وتعزيز انسجامها مع السياسات القطاعية الكبرى، كما قد يكون الحل الأمثل من وجهة نظري، هو اعتماد نموذج هجين، تشرف عليه لجنة مشتركة بين وزارة الداخلية ضمانا للبعد الترابي والتنسيق والالتقائية، ووزارات قطاعية ضمانا للتخصص والجدوى الاقتصادية، مع إشراك فعلي للمجالس الترابية في التدبير.

التساؤل الثالث: الدور السيادي والتشكل النهائي للمشهد التنموي

لا يخفى على أحد الدور المحوري الذي يلعبه جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده في إطلاق وتوجيه المبادرات التنموية الكبرى، فكما أعطى جلالته انطلاقة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية قبل 20 سنة، ينتظر الكثيرون أن يقوم جلالته شخصيا بإعطاء الانطلاقة الرسمية للمبادرة الوطنية للتنمية الترابية المندمجة، مما سيمنحها زخما وطنيا ومشروعية كبيرة، وهنا السؤال الجوهري، هل سيكون الإعلان الملكي عن هذه المبادرة الجديدة مصحوبا بإعلان إعادة هيكلة للمشهد التنموي، بحيث تصبح المبادرة الوطنية للتنمية البشرية مكونا أو برنامجا ضمن المنظومة الأوسع للتنمية الترابية المندمجة؟ هذا السيناريو يعزز فرضية التكامل ويؤسس لهرمية تنموية واضحة، استراتيجية ترابية شاملة (التنمية الترابية المندمجة) تحتضن في قلبها استراتيجية متخصصة (المبادرة الوطنية للتنمية البشرية) لضمان التكامل بين التنمية الاقتصادية والرأسمال البشري…

في الأخير يمكن القول أن إطلاق جيل جديد من برامج التنمية الترابية المندمجة ليس محض صندوق مالي جديد، بل هو نقلة نوعية في فلسفة الحكامة الترابية بالمملكة المغربية، الأجوبة الواضحة عن هذه التساؤلات ستبقى رهينة البلاغات الرسمية والتشريعات القادمة، لكن ما هو مؤكد أن المملكة تتجه نحو تعميق اللامركزية واللاتمركز، وترشيد التدخل العمومي، وبناء نموذج تنموي متكامل، يحافظ على مكاسب المرحلة السابقة ويضيف إليها آليات أكثر فعالية ونجاعة لتحقيق التنمية المنشودة في جميع ربوع الوطن.