عزيز جلال
الاثنين 17 نونبر 2025 – 16:01
التغيرات المتسارعة والتحولات الكبرى التي عرفتها المجتمعات، خلقت حالة من اللاتوازن والتيه لدى فئة كبيرة من الناس ، مما فاقم من حالات الانتحار والاكتئاب وغيرها من الاضطرابات الظاهرة والمستترة، فأصبحنا نعيش في زمن تتسارع فيه الضغوط والاحساس بالاغتراب ،وفي المقابل هشاشة الإنسان أصبحت ثيمة العصروفي تزايد متسارع، والحديث عن المرض النفسي لم يعد مجرد حالة فردية معزولة، بل هو انعكاس جلي لما يعيشه المجتمع برمته من تيه وتمزق، والمجتمع المغربي ليس بمنأى عن هذه الظاهرة بل المتتبع للحالات والاضطرابات، والمتمرس في التشخيص يدرك بجلاء خطورة الوضع النفسي، واستنادا لتصريح وزير الصحة والحماية الاجتماعية المغربية في آخر إفادة رسمية ، كشف أن48.9% ،-والرقم قابل للزيادة -من المغاربة ممن يعانون أو سبق لهم أن عانوا من اضطرابات نفسية في مرحلة ما من حياتهم، وهو رقم صادم يعادل نصف المجتمع تقريباً، ويضع البلاد أمام تحد غير مسبوق في مجال الصحة النفسية.
هذه الأرقام وحدها كافية “لطرق جدران الخزان ” وإعلان برنامج استعجالي واستنفار مؤسساتي، لكن الأزمة تتفاقم أكثر عندما نصطدم بالمعطيات البشرية واللوجيستيكية ، حيث واستنادا لاحصائيات وزارة الصحة والحماية الاجتماعية فالقطاع يعرف خصاصا مهولا في الموارد البشرية المتخصصة، فقد أوضح الوزير أن المغرب يتوفر على عدد جد محدود من الأطباء النفسانيين في القطاعين العام والخاص، موزعين بشكل غير متكافئ عبر التراب الوطني، في بلد يلامس عدد سكانه 40 مليون نسمة، ما يعني أن كل طبيب نفسي يوجد أمام آلاف الحالات المحتملة، وهو وضع يجعل من الاستجابة العلاجية مهمة شبه مستحيلة دون دعم تخصصات أخرى، وعلى رأسها الأخصائي النفسي.
الأخصائي النفسي: الحلقة الغائبة التي لا يكتمل النظام العلاجي بدونها
عند حديثنا عن المرض النفسي لايزال الحديث ينحصر عند الكثير من الفئات في الطبيب النفسي والمقاربة الدوائية ، لكن الحقيقة المغيبة أوالمسكوت عنها أن الأخصائي النفسي الإكلينيكي يظل الركيزة التي لا يمكن لأي منظومة صحية نفسية ناجعة أن تستغني عنها، فبعيدا عن العلاج الدوائي والمهدئات التي لا ندعو لإلغائها أو تجاهلها أوالتغاضي عن أهميتها وضرورتها، بل معها في كثير من الحالات يتولى الأخصائي النفسي الشق العلاجي العميق الذي يتعامل مع الجراح غير المرئية: الصدمات، أنماط التفكير المختلة، التعلقات المرضية، اضطرابات الشخصية، وصعوبات التكيف.
المتأمل للمنظومة الصحية الغربية وبمقارنة بسيطة ومستعجلة يدرك عمق هذه المفارقة المؤلمة بالواقع المغربي، حيث يعاني الأخصائيون النفسيون من ضعف الإدماج في المؤسسات، غياب إطار قانوني واضح، ونقص حاد في فرص التشغيل داخل المراكز الاستشفائية، وبمختلف الادارات العمومية والخصوصية، الأمر الذي يسمح بترامي العديد من الغرباء عن ميدان العلاج إلى ساحة وميدان الأخصائيين النفسيين ، بأسماء رنانة وألقاب براقة وبأسماء منحوتة بعناية، وهو ما خلق نقاشا( بين مختلف الفاعلين في الحقل السيكولوجي) يكتسي تارة طابع الجدية وأخرى طابع التجريح والسب، لكن التعجيل بإدماج الأخصائيين النفسيين كل في مجال تخصصه، والاعتراف القانوني الواضح بمهنة الأخصائي النفسي الذي درس خمس سنوات على الأقل علم النفس وتلقى تدريبا ميدانيا معترفا به ، كفيل بالتخفيف من هول الضغوطات المتسارعة والمساهمة في انخفاض نسبة الاضطرابات النفسية ،وهو الأمر الذي أضحى معه ضرورة الانتباه إلى أن نصف المجتمع، ليس رقما فقط ، بل هو ناقوس خطر، ينبهنا إلى أن المجتمع المغربي يعيش تحت الضغط بكل أنواعه – نفسي اجتماعي اقتصادي رقمي مالي، وكلها عوامل مناسبة لتنامي الاضطرابات والاكتئاب والادمان والعنف الاسري والمدرسي واضطرابات الهوية …..
وبكلمة نقول ان مهنة الأخصائي النفسي ليس مجرد مهنة بل هو جزء من الأمن الاجتماعي والنفسي للمجتمع ،والإصلاح الحقيقي للصحة النفسية يجب أن يدمج الأخصائيين النفسيين في صلب المنظومة، باعتبارهم القوة العلاجية القادرة على العمل الميداني، إجراء الاختبارات النفسية، تقديم العلاجات السلوكية والمعرفية، وتخفيف عبء الضغط على الأطباء النفسانيين، نعم المغرب كشف بالأرقام حجم الأزمة النفسية وحجم الخصاص بالموارد البشرية ، و الخطوة المقبلة التي ننتظرها جميعا يجب أن تكون سياسية وتشريعية ومؤسساتية
إدماج الأخصائي النفسي باعتباره القلب النابض لأي منظومة صحية نفسية حديثة ومستدامة.




