محسن الأكرمين.
الجمعة 28 يوليوز 2023 – 15:25
المخزن:
المخزن مفهوم متغير وثابت، وفي البحث عن محدداته نسقط في عدة إشكالات معرفية، وفي سياقات متنافرة. فبنية المخزن التاريخية، قد أحدثت ثنائية الجغرافية (بلاد المخزن) و(بلاد السيبة). وتمثل دولة المخزن البيعة القانونية والدينية على (السمع والطاعة، والقيام بالأمور الدنيوية، والغزوات، وإصدار وتطبيق سائر الأحكام الدينية والدنيوية…).
قوة المولى إسماعيل كانت في تثبيت ركائز حكم الدولة العلوية باعتباره المؤسس الثاني بعد النشأة. ومن بين الهفوات (بالقلة) التي سقط فيها المولى إسماعيل، حين وزع إمارات الدولة ومسؤولياتها على أولاده على اعتبارهم السلالة (الثابتة)، وأبعد المسؤوليات الكبرى (حكم الولايات) عن نخب المخزن والحاشية باعتبارهم من الفئة (المتحولة). وفي هذا لم يستفد السلطان المولى إسماعيل من نفس الأخطاء ذاتها التي سقط فيها سلفه الأسبق أحمد المنصور حين تمرد عليه الأمراء أبناء جلدته.
نخب المخزن وحاشيته:
قد يكون خدام المخزن من فئة (المتحول)، ورغم فقد كانت لنخب المخزن اليد الطُّولى في بسط نفوذ الدولة (التحكمية)، وتسويق فضائل المخزن على الرعية الطيعة، وتدبير شؤون البلاد والعباد. من ذكاء المولى إسماعيل السلطاني، فقد علمته التجارب الاشتغال على المتناقضات المتجانسة. كان (رحمه الله) له الخبرة في سياسة ضمان ولاء أهل الحل والعقد. كان بارعا في ضبط تمفصلات الدولة الكلية، والتحكم في رؤوس فتنة القبائل المناوئة مرات بالكر والغزوات، وأخرى بالمهادنة والمكايسة. الأهم أن السلطان حصن الدولة من الاختراقات (مكامن الهشاشة) والفتنة، ومن الفجوات بتحديث خطط المخزن (الثابت).
المولى إسماعيل:
قد لا نحمل الثقة الكاملة في توافر الحديث عن أعداد أبناء المولى إسماعيل. قد نقول بأن تلك الأرقام المتداولة، هي حكايات غير موثقة بالصدق، وهي من بين المستملحات الآتية من قوة المولى إسماعيل حتى في امتلاك كم هائل من أعداد النسوة، وما ملكت يده من الإماء والسبايا. هو المولى إسماعيل الذي صنع هالة ظليلة للمخزن الحاكم بأمر الله (إمارة المؤمنين) في الأرض والعباد. هو المولى إسماعيل الذي جعل من مكناس (قصر المنصور) مدينة قيادته الحربية والسياسية والدبلوماسية.
الأمير نصر بن المولى إسماعيل:
قضايا عامة وثابتة، فالمخزن غير رحيم مع كل من يحاول سحب البساط الأحمر من تحت قدميه. المخزن، قد يصبح مثل القطة التي تتغذى من رحمها حين يُستهدف بالتمرد الداخلي. هذا ما حدث للأمير نصر بن المولى إسماعيل. يَحْكِي التاريخ بأن الأمير نصر كان من بين المقربين من الأبناء في مجلس السلطان أبيه. كانت بنيته الحربية والجسدية قوية تماثل (جالوت) العملاق، كان متمرسا على القتال والمناورة والتخطيط الحربي، وغير رحيم بالأعداء. تقلد عدة مناصب داخل دار المخزن تحت أعين السلطان ونخب المخزن الأشداء، وفيها برع وسطع اسمه عليا، حينها عينه السلطان المولى إسماعيل واليا على منطقة سوس وأحوازها.
الأمير المتمرد:
حين اشتد عُودُ الأمير نصر شوكة، حمل ظهير تعيينه السلطاني واليا على منطقة سوس وأحوازها. تقول الأخبار (بالتواتر الشفهي)، أن الأمير بعدما مارس الحكم خارج جلباب أبيه، وترجل عن صهوة جواده ملتصقا بهموم الشعب، باتت مظاهر هشاشة الرعية تلوح بأعينه. تغيرت أحواله نحو الزهد عن الجبروت والشدة، وتطويع ولاء الشعب بالقوة. بات الأمير نصر يُفكر في التمرد السلمي على عرش أبيه (بقصر المحنشة) بمكناس، وتأسيس دولة العدل (الصغيرة) التي تماثل الإمارة البورغواطية قديما !!
لم يكتمل تخطيط الأمير نصر الذهني والتنظيمي بناء، حتى كان الخبر الأكيد بأذن السلطان المولى إسماعيل آتيا من عيون المخزن التي لا تنام، (أن الأمير نصر يفكر في التمرد عن السلطان الأب، والاستقلال بمنطقة سوس وأحوازها).
المخزن غير رحيم بالمناوئين:
مسكين الأمير نصر (رحمه الله) فقد داسته أيدي مكائد رجال المخزن ونخبه، نالوا على رقبته المنكسرة عن الرأس، ترقية من السلطان. أُحضر الأمير نصر إلى مكناس ذليلا مُكبلا في قفص من حديد طوافا، ليكون عبرة للجميع. أُحضر إلى قاعة المحكمة (ضريح المولى إسماعيل) العلنية، والتي أشرف عليها السلطان حضوريا، حيث كان صك الاتهام (العصيان/ الخروج عن طاعة ولي الأمر/ التفكير في الثورة/ إيقاظ الفتنة/ التمرد). كانت كل التهم تُفضي بالتمام إلى حكم الإعدام، وفصل الرأس عن الجسد، وتم ذلك بساحة حبس قارا العليا، علانية وأمام أعين السلطان والحاشية، ونخب دار المخزن، وجمهور من الرعية.
إعدام نصر رحمه الله:
لم يبق الحكم على الأمير نصر حبيس الإعدام فقط، بل امتد نحو موضع دفنه، حيث تم تجريده من صفة الأمير، ليدفن جسد نصر خارج أسوار (مدافن الأمراء) وبالمحاذاة من بوابة سيدي عمرو الحصيني. أُعدم نصر نتيجة تفكير التمرد، وحكم سوس وأحوازها. قُتل نصر بالسيف، وبات عبرة عند إخوته بالخوف والامتثال لأوامر السلطان العليا. أُعدم نصر، وبقي قبره حاضرا في مخيلة وذاكرة العاصمة السلطانية بمكناس خارج الأسوار الإسماعيلية. بات قبره يوازي قبر الجندي (نصر) المجهول.