آخر الأحداث

أرقام صادمة الهواتف تسرق وتدمر مستقبل أطفالنا.

هيئة التحرير30 يونيو 20254 مشاهدة
أرقام صادمة الهواتف تسرق وتدمر مستقبل أطفالنا.

 عادل بن الحبيب

الاثنين 30 يونيو 2025 – 12:39

هذا ليس مجرد مقال، بل جرس إنذار ، لا يمكن اليوم أن ننكر حجم الخطر الذي تمثله الهواتف الذكية على أطفالنا، وقد آن الأوان أن نكف عن دفن رؤوسنا في الرمال. نحن لا نعيش في زمن عادي، بل في زمن صارت فيه الشاشات تربي أبناءنا، وتأكل من أعمارهم، وتعبث بعقولهم، ونحن واقفون، نتفرج، نصفق أحيانا ونشتكي لاحقا. الهواتف لم تعد وسيلة اتصال فقط، بل صارت أدوات إدمان، تسجن الطفل في عالم افتراضي وتحرمه من مهارات الحياة الحقيقية، من التواصل الإنساني، من اللعب الطبيعي، من التفكير السليم، ومن النمو النفسي المتوازن.

أولادنا يختطفون رقميا ونحن نصفق! أين أنتم أيها الآباء و الأمهات؟ هل يعقل أن نرمي الهاتف في يد طفل في الثالثة أو الرابعة ونتباهى بأنه “ذكي”، لأنه يعرف كيف يفتح التطبيقات ويلعب الألعاب؟ أهذه هي التربية الحديثة؟ هل أصبحنا بهذا القدر من اللامبالاة؟ الهواتف تسرق من أطفالنا أجمل ما فيهم: خيالهم، براءتهم، قدرتهم على التركيز، على الإبداع، على التفاعل مع العالم الحقيقي. لقد تحول الطفل إلى كائن ساكن، بصره مسمر على الشاشة، وذهنه غارق في محتوى تافه أو عنيف أو مستورد لا يمثل هويته ولا دينه ولا قيم أسرته.

ارقام صادمة وتقارير دولية تدق ناقوس الخطر. منظمة الصحة العالمية حذرت من أن الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات لا يجب أن يتعرضوا للشاشات أكثر من ساعة واحدة يوميا، ويفضل ألا يتعرضوا لها إطلاقا تحت سن سنتين. ومع ذلك،فإن متوسط وقت الشاشة اليومي للأطفال وصل الى أكثر من 7 ساعات ونصف يوميا. فهل هذا وقت للعب والنمو أم للتخدير الجماعي؟
في المغرب ، لا يختلف الوضع كثيرا 90٪ من الأطفال بين 10 و17 سنة يستخدمون الهواتف الذكية بشكل يومي لساعات ، وأكثر من 60٪ منهم يعانون من أعراض التوتر والقلق المرتبطة بالإفراط في استخدام الشاشات.

الراحة الزائفة للآباء تحصد جيلا تائها فارغا عقليا ووجدانيا، الهواتف تقتل الطفولة بصمت ،وليس الذنب ذنب الطفل، بل ذنب الراشدين الذين اختاروا الراحة بدل التربية، والسكوت بدل المواجهة. بدل أن نحاور أبناءنا، نمنحهم هاتفا ليصمتوا. بدل أن نرافقهم في نموهم، نمدهم بهواتف مليئة بشخصيات وهمية من ألعاب ومسلسلات لا نعرف عنها شيئًا بالساعات ، بينما التواصل الحقيقي داخل الأسرة لا يتجاوز دقائق معدودة! ماذا ننتظر؟ أن يصبحوا مدمنين، عديمي التركيز، بلا هوية، بلا أهداف؟ أم ننتظر انهيارا تربويا شاملا ثم نقول “اللهم إن هذا منكر”؟

إذا كنت تعطي طفلك هاتفا لساعات ، فأنت تدمر مستقبله بيدك،
على المجتمع أن يصحو، على الاباء أن يثوروا على هذا الخمول التربوي، وعلى المدرسة أن تخرج من دورها التقليدي وتعلن حالة طوارئ ضد هذا الانهيار القيمي والمعرفي. لا يمكن أن نبني جيلا قويا بأطفال مشلولين فكريا، لا يعرفون إلا الألعاب واليوتيوب والتيك توك. إننا نعيش مأساة تربوية حقيقية تتستر خلف بريق التكنولوجيا. فهل من صحوة؟ هل من وقفة ضمير؟ هل من أسر تعيد الاعتبار للحوار والكتاب واللعب في الحي وتبادل القصص والضحك الحقيقي بعيدا عن الشاشات الملعونة؟

لن نحصد إلا ما زرعنا. وإذا تركنا الهواتف تسرق أبناءنا اليوم، فلا نلوم إلا أنفسنا حين نجدهم غرباء عنا غدا، غارقين في العزلة، فارغين من الداخل، ضائعين في عالم لا يرحم. فلنوقف هذا النزيف. لنستيقظ، قبل أن نفقد الجيل بأكمله ،فالهواتف تحكم حياة أطفالنا أكثر مما نتصور.